أوّل أمس كدت أُتهم بجريمة حرب كبرى حين تساءلت على «فيسبوك» عن سرّ تعلق سيداتنا بطبخة ورق العنب، مع كل ما تحتاج إليه من جهد صبر وأناة وتركيز، رغم أنها مهما علت تبقى أكلة «نص كم»، أي مقبلات أو نقرشات لا أكثر.اضافة اعلان
بالطبع أنا أُكبر وأقدّر كل السيدات اللواتي يبذلن ذلك العناء الكبير من أجل أسرهن متذكرا أمي مدّ الله بعمرها وهي تحاول أن تقنعني دون جدوى بأن طبختها وجبة مكتملة لا تقبل أن تكون ظلاً لوجبة أخرى. لكني كنت أقول إن ورق العنب الملفوف، والذي كنت أسميه في صغري «الرز المُقمّط»، يصلح أن يكون فواصل مبهجة بين الوجبات، أو تصبيرة لذيذة لحين الغداء.
وعلى عادة أمهات زمان كانت أمي تعدُّ كميات قياسية من هذه الطبخة، وكنت أمازحها وهي منهمكة بنكتة طرزان فتى الأدغال، وكيف غضب مزمجرا عندما وجد أمه تلفُّ سراويله. حينها كانت تأمرني في الحال أن أغيب عن مدى قذيفتها القريبة منها.
واليوم ما زلت أرثي لحال الأمهات والزوجات والأخوات وهن يقضين الكثير من الوقت في إعداد وتجهيز وتجميل هذه المعزوفة الموسمية، في حين لا يأخذ منا الأمر نحن الرجال لإفناء ما تعبن به لساعات إلا بضعة ثوان. ومع هذا صار يحلو لي أن أفسر شغفهن بهذا الجهد الجهيد على أنه ونس موسمي وربما سنوي.
أحد الأصدقاء كتب إن سرّ ذلك التعلق هو ذاته السر الذي يجعل الرجال يعتقدون أنها أكلة لا تكتفي بذاتها، فيما كتب صديق ثان إن في إيران مثلا شعبيا يقول «أكر حيلة نادري لفلف مكوني»، أي إذا لم يكن هناك حيلة، فلماذا يلفون الرز واللحم؟. عندها كتب ثالث إنها أكلة تستحق اللف والدوران. وأيّد رابع أن السيدات إذا لم يلففن ورق العنب يلففن رؤوسنا.
أيام الدراسة الجامعية في الخارج قررت ذات نزوة أن أتحف رفقاء السكن بهذه الأكلة، فاشتريت التجهيزات، وعدت مسرعا لأطلق العنان لفيروز تؤنسني. وبعد أن سلقت الورق جهزت (التتبيلة) حسب وصفة اقترحتها لي زميلة سورية، ثم خلطت اللحمة المفرومة كثيرةَ الدهن بالأرز المسقّى بالسمن الساخن، بعد أن فتفتت كبريتة مرق الدجاج، أضفت فركتين من النعناع الناشف، وختمتها بحفنة فلفل أسود.
لكني وبعد أن تربعت للفّ الورق مسترجعا مهارة أمي التي تلفها بسرعة أكبر من سرعة جدي في لف سيجارته، تفلتت الحبة الأولى من بين أصابعي، والثانية انبرطت، فيما «شوربت» الثالثة، أي صار لها شوارب كشوارب القط، والرابعة تهدلت مني؛ فنفد صبري، فرفعت صوت فيروز.
أمام ذلك الفشل الذريع أتتني الفكرة الشيطانية ففرمت الورق فرماً حثيثاً يليق بالتبولة، وخلطته بالأرز وطبختهُ كالطبخة التي لا أجيد غيرها: المقلوبة. وعندما وصل القوم مهترئين جوعاً تحلقوا المائدة ونسفوا ما «عسته» لهم بشراهة المحاربين. ولما استفسروا بعد الواقعة عن اسم «هذه العجقة»؛ قلت ضاحكا إنها «محاشي على الماشي»، إن لها ذات المذاق
بالطبع أنا أُكبر وأقدّر كل السيدات اللواتي يبذلن ذلك العناء الكبير من أجل أسرهن متذكرا أمي مدّ الله بعمرها وهي تحاول أن تقنعني دون جدوى بأن طبختها وجبة مكتملة لا تقبل أن تكون ظلاً لوجبة أخرى. لكني كنت أقول إن ورق العنب الملفوف، والذي كنت أسميه في صغري «الرز المُقمّط»، يصلح أن يكون فواصل مبهجة بين الوجبات، أو تصبيرة لذيذة لحين الغداء.
وعلى عادة أمهات زمان كانت أمي تعدُّ كميات قياسية من هذه الطبخة، وكنت أمازحها وهي منهمكة بنكتة طرزان فتى الأدغال، وكيف غضب مزمجرا عندما وجد أمه تلفُّ سراويله. حينها كانت تأمرني في الحال أن أغيب عن مدى قذيفتها القريبة منها.
واليوم ما زلت أرثي لحال الأمهات والزوجات والأخوات وهن يقضين الكثير من الوقت في إعداد وتجهيز وتجميل هذه المعزوفة الموسمية، في حين لا يأخذ منا الأمر نحن الرجال لإفناء ما تعبن به لساعات إلا بضعة ثوان. ومع هذا صار يحلو لي أن أفسر شغفهن بهذا الجهد الجهيد على أنه ونس موسمي وربما سنوي.
أحد الأصدقاء كتب إن سرّ ذلك التعلق هو ذاته السر الذي يجعل الرجال يعتقدون أنها أكلة لا تكتفي بذاتها، فيما كتب صديق ثان إن في إيران مثلا شعبيا يقول «أكر حيلة نادري لفلف مكوني»، أي إذا لم يكن هناك حيلة، فلماذا يلفون الرز واللحم؟. عندها كتب ثالث إنها أكلة تستحق اللف والدوران. وأيّد رابع أن السيدات إذا لم يلففن ورق العنب يلففن رؤوسنا.
أيام الدراسة الجامعية في الخارج قررت ذات نزوة أن أتحف رفقاء السكن بهذه الأكلة، فاشتريت التجهيزات، وعدت مسرعا لأطلق العنان لفيروز تؤنسني. وبعد أن سلقت الورق جهزت (التتبيلة) حسب وصفة اقترحتها لي زميلة سورية، ثم خلطت اللحمة المفرومة كثيرةَ الدهن بالأرز المسقّى بالسمن الساخن، بعد أن فتفتت كبريتة مرق الدجاج، أضفت فركتين من النعناع الناشف، وختمتها بحفنة فلفل أسود.
لكني وبعد أن تربعت للفّ الورق مسترجعا مهارة أمي التي تلفها بسرعة أكبر من سرعة جدي في لف سيجارته، تفلتت الحبة الأولى من بين أصابعي، والثانية انبرطت، فيما «شوربت» الثالثة، أي صار لها شوارب كشوارب القط، والرابعة تهدلت مني؛ فنفد صبري، فرفعت صوت فيروز.
أمام ذلك الفشل الذريع أتتني الفكرة الشيطانية ففرمت الورق فرماً حثيثاً يليق بالتبولة، وخلطته بالأرز وطبختهُ كالطبخة التي لا أجيد غيرها: المقلوبة. وعندما وصل القوم مهترئين جوعاً تحلقوا المائدة ونسفوا ما «عسته» لهم بشراهة المحاربين. ولما استفسروا بعد الواقعة عن اسم «هذه العجقة»؛ قلت ضاحكا إنها «محاشي على الماشي»، إن لها ذات المذاق
-
أخبار متعلقة
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (2-2) عبدالجبار أبو غربية نموذجاً ومُلهِماً !!
-
النمو الاقتصادي السعودي وفي الخليج العربي
-
اتهامات للأميريكيين في عمان
-
نحنحة
-
أسرى لكن برغبتهم ..!!.
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (1 - 2) هشام عودة نموذجاً وملهِماً !!
-
إلى متى ستحتمل الضفة الغربية؟
-
اليوم عيدُ ميلادي