ظل الموقف الأردني تجاه سورية واضحا وثابتا منذ بداية الأزمة في العام 2011. ارتكز هذا الموقف على دعم كل سبل استقرار الدولة الشقيقة، والدعوة للحوار بين أطراف الأزمة، ورفض التدخل الخارجي، والحفاظ على وحدة الأراضي السورية.
السياسة الخارجية الأردنية حملت هذا الطرح لمختلف المنابر العربية والدولية، متزامنا مع استضافة الأشقاء السوريين ممن غادروا بلادهم، وهو الأمر الذي لم تقدم عليه دول عالمية أكثر قدرة على تحمل الأعباء الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على ذلك.
الأردن تضرر اقتصاديا بشكل كبير من الأحداث التي شهدتها سورية، وزاد من هذا الضرر العقوبات التي فرضت على دمشق تبعا لقانون قيصر، إلى جانب زيادة وتيرة تهريب السلاح والمخدرات عبر الحدود، مع حركة نشطة لميليشيات مسلحة تطلبت جهدا أردنيا إضافيا لحفظ أمن المملكة واستقرارها.
تقف الولايات المتحدة الأميركية كأكثر الدول تشددا في موقفها من النظام السوري، الأمر الذي يعقد مسألة عودة دمشق إلى المجتمع الدولي. الأردن في المقابل يرى أنه من الضرورة النظر اليوم إلى تغيير سلوك النظام، وليس تغيير النظام نفسه، وهو ما أكد عليه جلالة الملك خلال زيارته إلى واشنطن ولقائه الرئيس جو بايدن.
في واشنطن، ومن بعدها موسكو، كان الملف السوري حاضرا في أجندة الأردن الداخلية، ومن أبعاد مختلفة؛ اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا، أولا لضمان الحصول على استثناءات من قانون قيصر تمهيدا لعودة الحركة التجارية بين البلدين، وثانيا لتخفيف الإجراءات المتخذة على الحدود والجهد المبذول لحماية البلاد مما يجري. ربما من الضروري إضافة ضمان عودة طوعية واختيارية للأشقاء السوريين في الأردن.
فيما يتعلق بقانون قيصر، الأمر يحتاج إلى مناقشات وحوارات عديدة مع الإدارة الأميركية قبل الحصول على هذه الاستثناءات، فالإدارة الأميركية تتخذ موقفا متشددا وقصويا بهذا الشأن، ولا بد من الدخول معها في حوارات معمقة لتبيان وجهة النظر الأردنية من هذا الملف، فالمسألة بالنسبة للأردن غاية في الأهمية وضرورة باتت ملحة.
نجح الأردن في بناء علاقة راسخة مع العراق الشقيق رغم ما يعانيه من تبعات الأوضاع السياسية والأمنية هناك، وشكل مع بغداد ومصر تفاهمات مشتركة تساعد العراق على العودة الحقيقية؛ سياسيا واقتصاديا، وهذا يؤكد حرص المملكة على استقرار المنطقة من جانب، وعلى الحفاظ على مصالحنا مع هذه الدول الحدودية.
في روسيا، فبالإضافة إلى تأكيد العلاقات الثنائية المميزة بين الدولتين، كان الملف السوري حاضرا، حيث أشاد جلالة الملك بروسيا الذي اعتبرها تقوم بالدور الأكثر دعماً للاستقرار فيما يتعلق بالتحديات في سورية. لا يخفى على أحد تأثير موسكو على النظام السوري، وقد حرصت عمان دوما على تأمين حدودها من الحركات الإرهابية وتجار المخدرات والسلاح، وهو ما ترى معه أن الحوارات مع روسيا مهمة لإنجاز هذه الملفات.
قد يقطع الأردن شوطا مهما تجاه سورية، وقد يتمكن من فكفكة بعض التفاصيل التي تتماشى مع مصالح عمان ودمشق، وهو الأمر الذي يجب على سورية أن تنظر له بعين الاعتبار حتى لا يكون القطار يسير باتجاه واحد. بالتأكيد هناك تفاهمات أردنية سورية في عدة ملفات بهدف تغليب المصالح المشتركة على أي اعتبارات أخرى، لكن يجب أن تسخر دمشق كل سبل تسهيل تحقيق هذه المصالح.
اليوم الأردن في سياسته الخارجية يشتبك مع عدة ملفات معقدة؛ سورية ولبنان والقضية الفلسطينية، يضاف إليها ما يستجد في أفغانستان، ومخاوف تجدد موجة أخرى من الإرهاب، وتصدير موجة جديدة من اللاجئين لدول العالم، وهذا جهد يجب أن يشترك في مسؤوليته المجتمع الدولي، فلعمان إمكانياتها، وطاقتها، وتحدياتها الاقتصادية فيما دول أكبر حجما ونفوذا واقتصادا ما تزال تراوح مكانها. المصالح الأردنية أولوية وهذا ما يحرك اليوم السياسة الخارجية الأردنية.
-
أخبار متعلقة
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (2-2) عبدالجبار أبو غربية نموذجاً ومُلهِماً !!
-
النمو الاقتصادي السعودي وفي الخليج العربي
-
اتهامات للأميريكيين في عمان
-
نحنحة
-
أسرى لكن برغبتهم ..!!.
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (1 - 2) هشام عودة نموذجاً وملهِماً !!
-
إلى متى ستحتمل الضفة الغربية؟
-
اليوم عيدُ ميلادي