تحدت أزمة كورونا الليبرالية وحاصرتها في مطرح ضيق. وهي وفق معظم النقاد السياسيين والاقتصاديين فعلت ذلك بأقوى وأشمل مما فعلته الأزمة المالية والاقتصادية عام 2008‘ فهي لم تتحد السياسات الاقتصادية فحسب بل كل المفهوم الليبرالي للدولة والتنظيم الاجتماعي.
هذا ونحن ننظر غربا فإذا تحولنا الى الشرق حيث النجاح الصيني الباهر في مواجهة الوباء وتحجيم اضراره الاقتصادية بل وتحويله من تحد الى فرصة لتعزيز الاقتصاد حتى بات العملاق الصيني يتبختر بإنجازاته وسط الاقتصادات الراكعة أو الزاحفة على بطنها في الغرب. نلاحظ أن الأزمة تذهب ابعد من ذلك اذ تتحدى الديمقراطية وليس الليبرالية فقط. والآن لم يعد احد في الغرب يستطيع مخاطبة الصين بغرور عن تخلف نظامها الاستبدادي البائد والعاجز حكما عن الازدهار والحداثة والتقدم التكنولوجي ومراكمة الثروة والابداع وكلها ميزات الديمقراطية الليبرالية. فكل هذا واكثر تحققه الصين وتظهر كفاءة اسطورية في ادارة وانجاز الأعمال وليس في المشاريع الكبرى من ابراج وجسور وطرق عملاقة ووسائط نقل تنجز بلمح البصر بل أيضا في المعرفة والتكنولوجيا الدقيقة بكل فروعها.
لم يعد أحد في الغرب ينام على حرير الثقة بعجز النظام الاستبدادي عن منافسة الليبرالية وقوى السوق الحر. وهذا أخطر استخلاص من التجربة الصينية. الديمقراطية الليبرالية ليست شرطا للتقدم والازدهار. بل ربما العكس احيانا فوفقا لدروس التجربة الروسية بعد انهيار الشيوعية لم ينقذ روسيا من الكارثة الليبرالية التي قادها يلتسن على انقاض الشيوعية إلا مجيء بوتين وفرض نضام نصف استبدادي اعاد لروسيا قوتها وهيبتها. والحال ان الاستثناء الصيني ونصف الاستثناء الروسي لم يعد بعد كورونا يمكن احتسابه على خانة الاستثناء الذي يؤكد القاعدة بل المثال الذي ينسف القاعدة.
هل يخاطبنا هذا الاستخلاص نحن أيضا ؟! الأنظمة عندنا لا تحب الاستنجاد بالمثال الصيني لتبرير تمنعها عن وصفة الديمقراطية بل تفضل غالبا التذرع بخصوصياتنا الثقافية والاجتماعية ولهذا اسبابه. لكن الاستخلاص يخاطبنا نحن دعاة الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية والتداول البرلماني على السلطة التنفيذية اكثر مما يخاطب الأنظمة،. فالتجربة الصينية تقول ان ما نقترحه ليس الوصفة الوحيدة البديلة، وأنه من الممكن إنشاء نظام كفوء وفعال يحقق مروحة واسعة من الأهداف المنشودة مثل مكافحة الترهل واصلاح الادارة وكفاءة القيادة ومنع الفساد وضمان تكافؤ الفرص وتكريم الجدارة وتصعيد الأفضل وانتقاء أحسن العقول واتباع افضل الممارسات للحكم الرشيد وبالتبعية تحفيز النمو وتوسيع الاستثمار وزيادة الدخول للجميع وضمان العدالة مع درجة معقولة من احترام الحريات الشخصية والعامة وتحقيق هذا كله عبر مسار آخر غير الديمقراطية أي النظام القائم على المنافسة السياسية – الحزبية على سلطة القرار والمسؤوليات !
بماذا نردّ على هذا الكلام ؟! برأيي يجب قبول التحدي الذي يطرحه المثال الصيني. ولا ينبغي التهرب. وكنت في مقال سابق وقبل ان يعود الحديث مجددا عن الاصلاح السياسي طرحت تحدي القدرة على صنع مقومات الحكم الرشيد بدون إصلاح السياسي. أعتقد أننا سنكسب الرهان لسبب بسيط وهو ان كلفة تحقيق شروط الحكم الرشيد أي تسيد سلطة الكفاءة والنزاهة وحكم القانون.ليست بأقل من كلفة الديمقراطية على التسلط والتفرد والفساد. ونحن أصلا جربنا هذا البديل لربع قرن ، نقصد الاستمرار مع نصف أو ربع ديمقراطية مع وعد النزاهة والعدالة والازدهار. وللحديث صلة
-
أخبار متعلقة
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (2-2) عبدالجبار أبو غربية نموذجاً ومُلهِماً !!
-
النمو الاقتصادي السعودي وفي الخليج العربي
-
اتهامات للأميريكيين في عمان
-
نحنحة
-
أسرى لكن برغبتهم ..!!.
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (1 - 2) هشام عودة نموذجاً وملهِماً !!
-
إلى متى ستحتمل الضفة الغربية؟
-
اليوم عيدُ ميلادي