لا أعتقد أن جائحة كورونا وما يتبعها ما تزال تأخذ صخبا كبيرا في دول العالم كما هو الحال في الأردن، خصوصا أن المواطن اليوم بات يصحو صباحا على أخبارها، ليعود ويغفو ليلا على تطوراتها، وكأنما الحياة لدينا توقفت في كل شيء سوى من أخبار الجائحة!
وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد، بل يتعداه نحو حالة إرباك غير مسبوقة يشهدها الشارع الأردني جراء القرارات المتلاحقة التي تخرج عن الجهات الرسمية، ما ولّد معها حالة غير مسبوقة من الهجوم على الحكومة، وباتت العلاقة بين الطرفين تأخذ منحى خطيرا، خصوصا أن المواطن يعبر عن عدم تفهمه لكثير من تلك القرارات، وعدم رضاه عنها.
لم يعد أحد يستطيع أن يقرر من يتحمل مسؤولية الحالة التي وصلنا إليها، الشارع أم الحكومة؟ من جهته يعبر المواطن عن رأيه في ما تفعله الحكومة، ويكتب في مختلف قنوات التواصل أن كثيرا من القرارات التي تصدرها الحكومة تفتقد المنطق، ولا يمكن استيعابها، خصوصا أنه لا يصاحب هذه القرارات إعلان عن أسباب مقنعة دفعت صاحب القرار لاتخاذها، وبالتالي لا يتقبلها الشارع بصدر رحب، ولا يتعاطى معها إلا مرغما لأن كثيرا منها يكون مصحوبا بآليات إنفاذ مشمولة بعقوبات ما.
إغلاق قطاعات، وإصدار تعليمات وأوامر تنفذ لوقت قصير، ثم يتم التراجع عن بعضها لاحقا، تحت تأثير الضغط الذي تمارسه القطاعات المتضررة، وأكثر ما يمثل هذا التوجه القرار المتخذ بإغلاق المطاعم والمقاهي، ومن قبله القرار المتعلق برياض الأطفال، حين أمرت بإغلاقها، ثم ما لبثت أن عادت عن قرارها لتسمح بفتحها تحت ضغط وإلحاح الشارع.
مثل هذه القرارات، يقول المراقبون إن ما يعيبها هو أن الحكومة تتخذها من دون التشاور مع أطراف العلاقة، بل تتخذها بشكل فردي، تفكر وتقرر، ثم تعلن قراراتها بتسرع، ولو أنها عمدت إلى التشاور واستمزاج آراء الأطراف المعنية، لكان بعض تلك القرارات أتى منسجما مع الصالح العام,، وربما تم تدارك بعض الجوانب المهمة فيه، وأيضا لما أتى صادما ومفاجئا لأصحاب العلاقة، لكنها بدلا من ذلك تتخذه من دون أن تتوقف مليا عند نتائج وتبعات ما تقدم عليه، لتكتشف لاحقا أن ما اتخذته فائض عن الضرورة، ويؤدي إلى التأزيم أكثر ما يمنح حلولا.
مسؤولون يخرجون إلى وسائل الإعلام، وليتهم ما فعلوا، حين يطلقون تصريحات متناقضة وغير مفهومة، بل إن بعضهم يساهم في حديثه بزيادة حجم التندر والغضب الشعبي على الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي، فينشغل الأردنيون بهم، ويطلقون العنان لتعليقات تهز أركان الحكومة التي لا تقوى على التعامل معها، ولا تتمكن من مجاراتها، فتزداد سوءا على سوء.
في كل ما نراه حولنا، يتضح لنا بأننا علقنا في نقطة ما، وأننا عاجزون عن تخطيها، وهو أمر غير محمود بالمرة، إذ علينا أن ننطلق نحو الحياة بصورتها شبه الطبيعية، وأن نكتفي من هذا الألم الذي يعيشه المجتمع الأردني نتيجة تأطير أنفسنا كدولة واقتصاد وأفراد تحت جناح فيروس كورونا.
بالتأكيد أنا لا أدعو إلى أن نقوم بتهميش هذا الملف الخطير، ولكن علينا أن نقدم أطروحة متوازنة بين السلامة العامة، وبين الحياة شبه الطبيعية، لا أن نظل نعيش تحت رعب الجائحة وتخبط القرار الحكومي، وألا ننجر إلى الإعجاب بأنفسنا من السرعة التي تتم فيها اتخاذ القرارات، أو السرعة في تعديلها والتراجع عنها. هذا أمر لا يجوز في إدارة الشأن العام، كما لا يجوز بالتأكيد الاستئثار بالتفكير واتخاذ القرار، بعيدا عن القطاعات المتأثرة بتلك القرارات.
إن أردنا العودة إلى حياتنا الطبيعية، فينبغي للحكومة أن تتخلص من أنانيتها وفرديتها، وأن تشرك القطاعات والمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني بعملية تفكير واسعة للآليات المناسبة التي من الممكن لنا اتباعها لهذا السبيل. من دون ذلك، ستبقى قرارات الحكومة عشوائية ومتخبطة ومحلا للنقد والتهكم والتهجم.
-
أخبار متعلقة
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (2-2) عبدالجبار أبو غربية نموذجاً ومُلهِماً !!
-
النمو الاقتصادي السعودي وفي الخليج العربي
-
اتهامات للأميريكيين في عمان
-
نحنحة
-
أسرى لكن برغبتهم ..!!.
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (1 - 2) هشام عودة نموذجاً وملهِماً !!
-
إلى متى ستحتمل الضفة الغربية؟
-
اليوم عيدُ ميلادي