يقول نتنياهو، زعيم المعارضة الإسرائيلية في الكنيست، إن موافقة الحكومة الائتلافية الإسرائيلية على اتفاق بيع المياه مع الأردن سيصب في صالح إيران! وكان يجب عدم بيع الماء للأردن، قبل أن يوقف التعاون مع العراق، لبناء أنبوب نفط، تبيع من خلاله إيران النفط العراقي، الذي تسيطر عليه، عبر الأردن ومصر وبالتالي البحر المتوسط! فهذا من شأنه زيادة قدرة إيران الاقتصادية، وبالتالي إمكانية بناء البرنامج النووي الذي يهدد الأمن الاستراتيجي الإسرائيلي. صدقوا أو لا تصدقوا، هذا ما قاله الرجل! هي محاولة بائسة وسخيفة للغاية لربط التعاون الأردني العراقي المصري بإيران، وتوظيف ذلك لإخافة الرأي العام الإسرائيلي المرتعب من النووي الإيراني. موالون لنتنياهو أجروا أيضا في محاولة تضليل الرأي العام الإسرائيلي حول الأردن، بعضهم اعتبر الاتفاق المائي واللقاءات السياسية مع الأردن “إهانة وذلا” سياسيا، وآخرون ادعوا أن الأردن يتصرف كعدو وليس صاحب اتفاق سلام مع إسرائيل.
ما قاله نتنياهو يدل على أنه فقد توازنه تماما، فأي عاقل سيصدق ذاك الربط الذي ادعاه، وأي مبتدئ بالسياسة يعي هرطقة تصريحاته. إيران والأردن ليسا أولوية لبعضهما بعضا، ولا يشتبكان سياسيا ويتجنبان ذلك، فكلاهما يعلمان أنهما ليسا صديقين، وأن لديهما هواجس استراتيجية كبيرة تجاه بعضهما بعضا، وهما فقط يتجنبان التصادم مع معرفة تضادهما السياسي التام، والأردن يعتبر نشاطات إيران المصدرة للاستقرار تهديدا لعمقه الاستراتيجي ولحلفائه وله ذاتيا. كان الأردن نقطة حديث دائمة في خطابات نصرالله ومن خلفه يعتبروننا أرضا عدوة، والأردن حدد خطوطه الحمر في مراحل هزيمة داعش النهائية، وكان أهمها عدم اقتراب ميليشيات مدعومة من إيران لمسافة تقل عن 50 كم من الحدود الأردنية السورية. أي مبتدئ بالسياسة وعالم بالقليل من بواطن الأمور، يعي طبيعة العلاقة المتضادة بين الأردن وإيران، ومن الجنون التفكير بغير ذلك. ثم ماذا عن الطرف المصري بالاتفاق، فالعلاقة بين مصر وإيران لا تختلف كثيرا عن تلك التي بين الأردن وإيران. اتفاق أنبوب النفط يشمل مصر، وهو على عكس الاعتقاد أنه سيفيد إيران، سيفيد جلب العراق خطوة لحضنه العربي بدل استباحة إيران له كما هو حاصل الآن.
يعيش نتنياهو أسوأ لحظاته السياسية، بعد أن اجتمع الخصوم السياسيون المتضادون إيديولوجيا، تحت عنوان التخلص من نتنياهو، وفي الأثناء يواجه تهم فساد ترجح آراء قانونية وازنة أنها ستدينه وينتهي به الأمر محكوما مسجونا. كل ذلك يجعل منه زعيم أقلية خطيرا جامحا لن يتوانى عن قول أي شيء، أو إطلاق أي كذب، من أجل النيل من خصومه. تصريحاته الأخيرة تظهر كم الكره الذي يضمره للأردن، وكم هو في ضيق جراء ما فعله به الأردن وإحراجه في حادثة الطيارة التي لم تقلع، أو عدم استقباله أو مكالماته لسنوات. كل مراكز الأبحاث من أقصى اليمين الى أقصى اليسار، وكل التقييمات الاستراتيجية الإسرائيلية، تجمع بقوة على أهمية الأردن لإسرائيل، وضرورات الاحتفاظ بعلاقات قوية إيجابية معها، وما فعله ويفعله مؤخرا نتيناهو هو السير بعكس ذلك، لأسباب ذاتية شخصية انتهازية هدامة له ولبلده قبل أي شيء آخر.