يشعر المواطن بالخوف الشديد من المشاركة في الانتخابات النيابية في مثل هذا الظرف الوبائي الخطير، وفي ظل ارتفاع أعداد الإصابات بفيروس كورونا، إذ إن ما يهمه اليوم هو سلامته الصحية، لذلك لم يتردد الأردنيون في المطالبة بتأجيل هذه الانتخابات. وطالت سهام النقد الحكومة لإصرارها على إجرائها في العاشر من الشهر الحالي.
من حق الناس أن ترى أن الأولوية اليوم هي بضمان تسطيح منحنى الإصابات بالمملكة بعد أن سجل في اليومين الأخيرين نحو 10 آلاف إصابة بالفيروس، لكن هل الانتخابات وحدها هي من ستجعل الوباء يزداد شراسة فقط.؟، بالتأكيد المنطق لا يقول ذلك، رغم أنها قد تسهم بزيادة الأعداد، فحجم الاختلاط من المتوقع أن يكون كبيرا جدا.
الأردن اليوم يحاول أن يوصل للعالم أهمية تمسكه بالاستحقاق الدستوري رغم كل الظروف والتحديات، وأنه قادر على تجاوز النتائج الوبائية المترتبة على ذلك، وهذه الرسالة يجب أن تكون مصحوبة بعمل حكومي حقيقي مقنع، يتجاوز الأخطاء التي ارتكبت، وما تزال، في إدارة ملف جائحة كورونا، خصوصا مع استسلامها أمام الفيروس وتركه يعبث بالناس كيفما يشاء.
أما على صعيد المواطنين، لنكن واقعيين ونواجه الحقيقة عن طريق الإجابة صراحة على مجموعة من الأسئلة التي تدور في فلك تردي الوضع الوبائي في الأردن، فكما طالبنا بمحاسبة المترشحين ممن تمادوا في مقارهم الانتخابية وسمحوا بالتجمعات الكبيرة، غفلنا عن الناخبين الذين لم يكترثوا بمنع الاختلاط وتجمهروا بالمئات، وأحيانا بالآلاف حول المترشح النيابي، من دون أن يرف لهم جفن خوفا من خطورة ذلك على حياتهم الخاصة وعلى المجتمع!
لماذا كل هذه الأعداد الغفيرة من المواطنين التي توجهت إلى المقرات الانتخابية، تحتضن هذا، وتصافح ذاك، وتسامر آخر، هل هذا السلوك آمن ولا ينقل الفيروس بين الناس؟!
لماذا لم تلتزم الغالبية بإجراءات السلامة العامة، عبر وضع الكمامات في الأماكن المغلقة والمولات، والمحال التجارية، والأسواق، وأماكن العمل، وفي الشوارع، وهم يدركون جيدا أن “كورونا” حقيقة قائمة، وأنه فيروس خطير يهدد الأمن الصحي العالمي وليس الأردني فقط؟!
لماذا لم تلتزم المؤسسات والشركات بالإجراءات والبروتوكولات المعتمدة لسلامة موظفيها على أقل تقدير، فاستغلت ضعف الرقابة الرسمية وسوءها، ولم تعمد إلى إلزام موظفيها بالتباعد وعدم الاختلاط، وأخذ الاحتياطات اللازمة من كمامات وقفازات، لحمايتهم؟!
صحيح أن مشكلتنا الكبرى في ترهل الحكومة بتعاملها مع هذا الملف، وأن سلوكها انعكس على الأفراد الذين باتوا يتعاملون مع الأمر بلا مبالاة، لكن في الوقت ذاته هناك نسبة كبيرة من المواطنين غير المبالين بهذا المرض، لذلك يتصرفون باستهتار كبير، وعندما يأتي الحديث عن ملف الانتخابات النيابية يجعلون منها “بعبعا” كبيرا، ويحملونها ما لا تحتمل، ويؤكدون بكل ثقة أنها هي ما سيقوم “بتفجير” الوضع الوبائي لدينا، فهل يستقيم سلوكهم مع أحاديثهم؟!
صحيح أن الانتخابات قد تكون علامة فارقة بعدد الإصابات، لكن هذا المصير يعتمد على معطيات مختلفة، فالأمر متروك للجهات القائمة على الإشراف عليها عبر إثبات حرصها على ضمان تنظيمها وفق قواعد السلامة العامة، والحزم عند اتخاذ إجراءات المتابعة والمراقبة. في الوقت ذاته، يتوجب على الناخبين أن يراعوا، أيضا، خطورة الاختلاط والتجمهر وعدم التباعد، أو عدم ارتداء الكمامات. لم لا ندلي بأصواتنا بانضباط ونعود إلى منازلنا على الفور.
المسؤولية مشتركة، والقصة لا تقتصر فقط على خيار إجراء الانتخابات أو تأجيلها، بل بإدارتها، وحرص الناس على أنفسهم ومجتمعهم، وبما أنه أمر واقع لا محالة، فلا يمكن الفرار من فيروس نخاف منه يوم الاقتراع، ولا نأبه لوجوده في أماكن العمل والأسواق، وعند ازدحام الأقدام!