الإثنين، 22-08-2022
04:05 م
فقدان البوصلة؛ وتغييب الرؤية عن الناس، هما، من أهم أسباب فقدان الثقة وتكريس اللاإنتماء، فكيف يقتنع شخص ما كي يدافع عن وجهة نظر قد تكون صائبة، لكنه لا يعرفها، وربما لم يسمع عنها، وقد يتخذ موقفا بعدم السؤال عنها أو محاولة معرفتها، لأن تغييبها عنه يمكن فهمه بأنه هدف إقصائي بحد ذاته.. هذا على صعيد القضايا الصغيرة التي قد يهتم بها أي شخص، لكن ماذا بشأن إدارة الشأن العام؟ ما هو موقف المواطن منها؟ وما هو موقف الموظفين أيضا، بل ما موقف المسؤولين الذين يتم تغييبهم وعدم الاعتراف بوجودهم ولا بمسؤولياتهم القانونية؟!
علاوة على المطالبة بالشفافية في إدارة الشأن العام، فالفكرة من إلمام فريق عمل بأهداف المؤسسة يضفي على هذه الفكرة مزيدا من قوة، ويمنح الفريق كله ثقة بها، فالصورة أمامهم واضحة، ويعلمون جميعا أهداف الإدارة في مؤسستهم، ويمكنهم التحدث بها والإجابة عن مزيد من التساؤلات المتعلقة بها، وهذا لا ينفي أو يتعارض مع الاختصاص والمؤسسية، وفي حين تتطلب المهمات السرية العسكرية أن يحفظ ويفهم كل شخص يشترك بتنفيذ مهمة ما..يفهم عمله ودوره، ويتواصل مع مرجعية معلومة، وقد لا يحتاج لمعرفة دور ومهمة زملائه الآخرين، فإن هذا الأسلوب لا يخدم العمل الإداري والسياسي في دولة ديمقراطية، تؤمن حكوماتها بعمل الفريق والبرنامج والهدف المعلن، وتعمل بشفافية ومستعدة للمساءلة والحوار..
حين يكون المسؤول يجتمع مع فريقه في «باص»، ويتحدثون ويتلقى كل عضو من الفريق توجيهات وتعليمات وملاحظات تخص عمله في المؤسسة، فالأمر يحدث أمام الجميع، وعلى الرغم من عدم تدخل أعضاء الفريق بواجبات ومسؤوليات الأعضاء الآخرين، إلا أنهم يفهمون سياسة المؤسسة، ويعلمون الهدف الكبير الذي تسعى مؤسستهم وإدارتهم لتحقيقه، فهم يعلمون أين تتجه رحلة «الباص»، لكن تخيلوا لو كانوا يستقلون «بكم»، ويقوده المسؤول، ويضطر أن يستدعي كل عضو من الفريق ليجلس عنده «قدّام»، ويناقشه في مجاله وحدود واجبه ومسؤوليته والمطلوب منه، ثم يستقبل العضو الآخر بنفس الطريقة.. فما هي حدود علم الأعضاء بعمل الفريق الواحد؟ ..
هذه الطريقة من الإدارة تضعف المؤسسات، وتوجد هوة كبيرة بين موظفيها ومسؤوليها، وتنتج المزيد من عدم الاكتراث، فكل مسؤول من الصف الثاني والصفوف التي تليه، يتعاملون وفق سياسة وتواصل مع المسؤول عنه فقط، وهكذا يتم بناء علاقة العمل في المؤسسة بين المسؤول عنها وبين كل كوادرها .. ولا نقول بأن هذه جريمة في إدارة بعض المؤسسات المختصة ذات المسؤولية المحدودة، لكنها لا تصلح مع إدارة وزارات ومؤسسات عامة، فثمة جهات كثيرة تريد خدمات من هذه المؤسسات، وهناك رأي عام وثقافة عامة، وهناك معارضات أغلبها غير مثفف وغير ناضج ويحتكم للانطباعية أكثر من الموضوعية، فمطلوب مشاركة الجميع بالقرارات، وهذه واحدة من أهم تجليات الديمقراطية وأهدافها..
نحن ندرك بأن كثيرين منا متفانون في عملهم ومخلصون، ويقومون بواجباتهم خير قيام، ويتحملون المسؤولية القانونية والأخلاقية، ومستعدون في كل وقت للحديث عن عملهم وإجابة تساؤلات المراجعين والمتابعين والمتضررين والمتصيدين في الماء العكر أو الصافي، لكن المطلوب فريق عمل كامل يعمل وفق هذه الطاقة وهذه الروح والقناعات، ولعل الظرف العام يتطلب مثل هذا النوع من الفريق المتجانس الذي يعمل وفق خطة ورؤية معروفة ومتفق عليها مسبقا، وليس التعامل بطريقة أحادية بسيطة وخط واحد مع صاحب القرار في المؤسسة أو حتى في الحكومة..
فقدان الثقة وحتى الإيمان بالدولة وقضاياها وتطلعاتها وجهودها، أخطر من كل أشكال الترهل والفساد، وهو ناجم عن سهولة إقناع الناس بأن الحكومات لا تعمل ولا تقدم جهدا يليق أو يكافئ حجم التحديات والمطالبات.. وذلك رغم الكثير من الجهود الصادقة التي تبذلها المؤسسات والحكومات وتحتكم فيها للقانون، لا أتحدث عن «المشاركة السياسية» ولا عن مؤسساتها فقط، بل عن التشاركية حتى بين كوادر وموظفي المؤسسة الواحدة..
فلا تلوموني حين أقول بأنني لا أعرف ولا أفهم اليوم شيئا مما يدور أو ربما لا يدور.