بعد الجولة الأولى من الانتخابات التركية كان واضحا أن أردوغان سيعود رئيسا رغم المنافسة الكبيرة مع مرشح المعارضة، فالتحالفات الانتخابية تغيرت وكانت لصالح أردوغان الذي خاض معركة هي الأولى من حيث شدة المنافسة.
وعلى الصعيد الإقليمي والدولي فإن فوز أردوغان كان مهما لإنجاز ملفات لا يستطيع غيره إنجازها بحكم طول مدة الحكم، والأهم أنه خلال السنوات الأخيرة قاد تحولات جذرية في سياسته الخارجية تجاه سورية وإسرائيل ودول عربية كانت على غير وفاق معه.
أول الملفات التي بدأ تأثير فوز أردوغان عليها مباشرة كان إعادة العلاقات الدبلوماسية الرفيعة مع مصر بقرار من البلدين وهي خطوة مهمة ليس على صعيد الملفات الاقتصادية والسياسية والثنائية، بل أيضا على علاقة أردوغان بالإخوان المسلمين المصريين وخاصة في ظل إصرار مصر على خطوات تركية لوقف استخدام الساحة التركية من قبل الإخوان ضد الحكم في مصر، ولهذا فأول ثمار الفوز إكمال ملف التطبيع المصري التركي الذي له ثمن، وهناك خاسرون وهم إخوان مصر ومن يشبههم.
أما العلاقة مع سورية فإن جولات التفاوض بحضور إيراني روسي لم تتوقف، لكن أردوغان سيذهب إلى خطوات أكثر أهمية في التفاهم مع بشار الأسد ولن يكون بعيدا لقاء قمة سوري تركي بعد شهور أو أسابيع، فكل طرف لديه مطالب ومصالح يريد تحقيقها والطريق ليست وعرة أمام اتفاق تركي سوري، وهذا الاتفاق المتوقع أمامه عقبات لكن له ثمن على قوى المعارضة السورية المسلحة وغير المسلحة، وأيضا على السوريين في تركيا الذين يعلمون أن لدى أردوغان مشروعا معلنا لإعادة ملايين منهم إلى الأراضي السورية، ليس عبر العودة القسرية بل عبر مشروع بدأ ويلقى الدعم المالي من دول عربية ببناء مئات الآلاف من البيوت الجاهزة داخل الأراضي السورية ونقل اللاجئين للسكن فيها، وهذا المشروع يخدم أردوغان أمام المطالبات الشعبية بترحيل السوريين لكن بطريقته، وإذا ما تم التفاهم السوري التركي فإن العائدين سيعودون إلى تحت حكم الدولة السورية.
أما إسرائيل فقد أكمل أردوغان ملفها منذ فترة بإعادة العلاقات والتفاهمات سياسيا وارتقت العلاقات بين تركيا وإسرائيل إلى أعلى درجات التفاهم والتعاون، وإن كان التعاون العسكري لم يتوقف، فاليوم هنالك علاقة قوية بين تركيا وإسرائيل وزيارات رفيعة، وربما ولو بعد فترة ليست قريبة يكون لتركيا دور في فتح أبواب مفاوضات إسرائيلية مع دول وتنظيمات عربية وفلسطينية مثلما كان الدور التركي عام 2008 في استضافة تركيا لمفاوضات غير مباشرة بين سورية وإسرائيل.
وإذا كانت عمليات ترميم السياسة الخارجية التركية تتم بشكل جيد، فإن الملف الاقتصادي والتراجع الكبير للعملة التركية ملف صعب، وهذا الملف من العوامل التي أعطت للمعارضة القدرة على المنافسة القوية والذهاب إلى جولة ثانية، فالوضع الاقتصادي لم يكن مريحا للأتراك خلال السنوات الأخيرة وتراجع الليرة التركية لم يتوقف خلال السنوات الأخيرة.
خمس سنوات هي الأخيرة دستوريا التي يمكن لأردوغان البقاء على رأس السلطة، ومؤكد أنه سيحاول تعزيز رمزيته، لكن أمامه مهمة صعبة في صناعة بديل من داخل حزبه للانتخابات القادمة التي ستكون شاقة على حزب أردوغان الذي لولا شخص أردوغان لخسر الانتخابات الأخيرة، كما أن عامل السن والصحة ستظهر آثاره خلال الفترة الرئاسية الحالية، وهو من خسر كل قيادات حزبه مثل أحمد أوغلو وعبدالله غول الذين أصبحوا اليوم معارضين له.