علينا أن نعترف ان العالم تآمر على السوريين، حين حرضهم على الفوضى في سورية، ونصب لهم فخ اللجوء من جهة ثانية، باعتبار ان هذا هو الحل الوحيد لأزمتهم، وتركهم لاحقا لمصيرهم، وترك الدول المستضيفة امام هذا العبء الصعب جدا، وهذا فخ مركب، ضد السوريين، وضد النظام، وضد الدول المستضيفة.
خروج السوريين من سورية، كان لاعتبارات كثيرة، من بينها الهروب من الموت، وبحثا عن بيئة آمنة، لكن العالم ذاته مارس لعبة مزدوجة، اذ فتح بوابات اللجوء الى أوروبا في البدايات، من اجل زيادة الاغراء وحض السوريين على الخروج، في سياقات تصنيع ازمة سورية خارج الحدود، ضد دمشق الرسمية، وكما هي العادة، تورط السوريون والعرب المستضيفون أيضا، في اللعبة ذاتها، وظن السوري كما العرب، ان اللجوء قضية سهلة، وسيتم تمويلها، الى ما لانهاية، وهو امر لم يحصل بطبيعة الحال.
وزير الخارجية السيد ايمن الصفدي يقول في كلمته التي كانت رئيسة في افتتاح جلسة المنتدى العالمي للاجئين في جنيف قبل يومين ان اللجوء أزمة دولية لا يمكن مواجهتها إلا بجهد دولي، وأن هذا العبء لا يجوز أن تتحمله الدول المستضيفة وحدها، ويجب أن تستمر الدول المانحة بدعمها، وان الأردن يستضيف مليونا وثلاثمائة ألف شقيق سوري يعيش عشرة بالمائة منهم فقط في المخيمات، وان تمويل خطط الاستجابة لوجود السوريين في الأردن، لا يتجاوز واحدا وعشرين بالمائة، مشيرا من جهة ثانية الى ان الأردن بات أكبر مستضيف للاجئين في العالم نسبة لعدد السكان، اذ يعيش في الأردن ثلاث عشرة بالمائة من اللاجئين في العالم، ومن 57 دولة، على مدى فترات مختلفة بطبيعة الحال. الأرقام التي تحدث عنها الوزير، ليست جديدة، لكنها مذهلة، وتعيد المشهد الى زاويته الأصعب، فكل هؤلاء خرجوا من سورية، بسبب ظروفها الداخلية، لكن بطبيعة الحال لا يمكن فصل صناعة اللجوء، وتعظيم الاغراء بالهجرة، عن هذا المشهد، مع الإقرار هنا، بوجود فوضى دموية في سورية، لكن العالم تواطأ من اجل صناعة ازمة لاجئين، في بدايات الازمة، خصوصا، عبر زيادة جاذبية الهجرة القسرية، وربطها بحياة جديدة، وامتيازات، إضافة الى الامن والاستقرار، وكانت غايات العالم، من وراء ذلك، التسبب بأزمة كبرى ضد النظام السوري، وتشويه سمعته عالميا، فيما كان النظام يستفيد من جهة ثانية، من إعادة ترسيم الديموغرافيا السورية، والتخلص من ملايين السوريين السنة، عبر دفعهم الى دول الجوار، وأوروبا، وكندا وأستراليا، واي مكان متاح في هذا العالم.
كل هذا يقودنا الى الاستنتاج الأهم، أي ان الازمة السورية، باتت ازمة محلية على صعيد دول جوار سورية، وكل محاولات إعادة تدويل ازمة اللجوء، لن تؤدي الى نتيجة، والسبب في ذلك ان تدويل ازمة اللجوء، يعني لدول مانحة كثيرة، دفع مزيد من الأموال، وهذا امر غير وارد، فوق تناقص المساعدات أساسا، ويمكن القول بكل وضوح، ان هذه الازمة باتت اردنية هنا في الأردن، ولبنانية في لبنان، وتركية في تركيا، وهكذا، بما يعنيه ذلك من استحقاقات سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية.
يرى خبراء هنا، ان الحل الأمثل لأزمة اللجوء السوري في دول الجوار، ليس الهروب من كلفتها المحلية، نحو تدويلها لطلب المزيد من المساعدات المالية، كون المزيد من المساعدات، يعني إدامة اللجوء، وتكريسه وتوطين السوريين في دول مختلفة، وهذا امر خطير لاعتبارات كثيرة، والحل هنا، الوصول الى صيغة توافق دولية-عربية، من اجل التهيئة لعودة السوريين الى بلادهم، والضغط على دمشق الرسمية من اجل تسهيل هذه العودة، خصوصا، في المناطق والمدن التي تعد آمنة، وهذا امر تتجنبه اطراف عدة، لاعتبارات مختلفة، من بينها الرغبة باستمرار ازمة اللجوء، حتى لو آذت السوريين ذاتهم، ودول الجوار، فوق تمنع دمشق الرسمية عن طمأنة العائدين على حياتهم.
في كل الحالات، ما يقال هنا، ان مزايا تدويل ازمة اللجوء، تراجعت كثيرا، وقد باتت ازمة اللجوء السوري في دول الجوار أزمات محلية داخلية في كل دولة على حدة، والكل يدفع الثمن بطريقة ما، ثمن تدمير سورية، وجرها الى هذا المستنقع الدموي.