باسم “الدين”، حكمت حركة “طالبان” أفغانستان مدة خمس سنوات (1996 – 2011) ، أفرزت فيها أسوأ تجربة يمكن للإسلام السياسي أن يقدمها، وبعد عشرين عاماً على اسقاط حكومتها عادت لتحكم (40) مليون أفغانيا باسم “الدين” ايضاً، لا ندري، ربما تغيرت طالبان، او أنها بصدد تصدير “نسخة” جديدة مؤقتة، الشيء الأكيد هو ان “الدين” ما زال حاضراً في المشهد، سواء ابرزته تقارير “الشاشات” الفضائية في صور “اللحى” الطالبانيّة التي سبق للحركة ان عممتها بالإكراه على الشعب الأفغاني كله، او في “الحشود التي زحفت باتجاه “المطار” وتعلقت بالطائرات للهروب الى الخارج.
استدعاء “الدين” ، سواءً أكان “للاحتفاء” بالنصر الذي حققته طالبان على أمريكا كما فعلت العديد من التنظيمات السياسية الإسلامية، أم “للتخويف” والتحذير من القادم ” الطالباني ” كما تسرب من بعض العواصم في منطقتنا وخارجها. ليس جديداً، فقد استندت واشنطن لمحاربة “إرهاب القاعدة” بعد احداث سبتمبر 2001 على “الدين” ايضاً، باعتباره منتجاً للإرهاب، كما استندت التحولات والصراعات التي جرت في عالمنا العربي منذ 2011 الى مواجهة “الإسلام السياسي” تارة او مواجهة “الإسلام المسلّح” تارة أخرى، وبالتالي تحول “الدين” للأسف الى “موظف” تحت الطلب، واستغرق الفاعلون السياسيون بمختلف انتماءاتهم وجغرافيتهم واهدافهم في عملية جرّه والصراع عليه، فيما الحقيقة ان ” الدين ” لا علاقة له – نصوصاً ومقاصد – بكل ما حدث. إن أسوأ رسالة يمكن ان نلتقطها بما جرى في كابول او الخرطوم او تونس او صنعاء او غيرها من العواصم التي شهدت جولات من الصراع بين التيارات والأنظمة السياسية، وكان فيها “الدين” حاضراً في الصورة، هي رسالة الانتصار او اشهار المظلومية والتلويح بالانتقام، فلا الدين انتصر هنا ولا الدين هزم هناك، وحدها السياسة والفاعلون فيها والمتصارعون على تخومها هي التي تحركت، وأصابت وأخطأت، ووحدها الشعوب من دفعت، وتدفع، ضريبة توظيف الدين لخوض المباريات (غير الوديّة) في ملاعب السياسة، اما المنتصرون والمهزومون من كافة الأطراف فهم بشر، يفترض ان نحاسبهم على ما يظهر من أفعالهم، لا على ما يضمرونه من نوايا او يشهرونه من شعارات.
تجربة “الأفغان” مع طالبان التي حكمتهم باسم “الدين” كانت قاسية، لكنهم حين خرجوا منها اصطدموا بكذبة “الديمقراطية” التي سوّقها المحتل الأمريكي وابناؤه الناجزون في “كابول”. الآن بوسع الذين يفاضلون بين الاسلام السياسي او العلمانية، او بين “المحتل الأجنبي” والمستبد “الوطني” ان يدققوا في مآلات “الايدولوجيا” وسطوة الصورة التي تصلهم باسم “الشعبوية” بمفرداتها السياسية او الدينية او غيرها، ليكتشفوا (هل سيكتشفون حقاً؟) ان الديمقراطية، بما تحققه من حرية وعدالة وتوافق ورخاء اقتصادي واستقرار اجتماعي، هي “المسطرة” الأفضل التي يجب ان تحتكم اليها الشعوب وهي تبحث عن طريقها نحو بناء الحاضر والمستقبل، والديمقراطية المقصودة “صناعة” محلية وليست مستوردة، وولادة طبيعية، تخرج من رحم المجتمعات الحيّة ولا يمكن ان تأتي على ظهر دبابة.
لو تركنا لـ “الدين” ان يتحرك بحرية في حياة الناس، دون ان نؤطره او نوظفه او نخاصمه لأفرز “مجتمعات” قادرة على اختيار من يمثلها، ومتحضرة بما يكفي لتجاوز خلافاتها، لكن ما حصل، كما في تجربة “طالبان” وغيرها، ان البعض اختطفوا هذا ” الدين” وأشهروه في وجوهنا، ثم نصّبوا انفسهم ليكونوا “جند الله” والناطقين باسمه بدل ان يكونوا جنداً لشعوبهم، وناطقين باسمهم من اجل حياة كريمة والنتيجة ان حظنا معهم لم يكن أفضل من حظنا مع غيرهم.