الأحد، 09-08-2020
05:42 م
لم يقصد اللبنانيون حرفيا عودة الاستعمار الفرنسي وهم يناشدون ماكرون في مذكرة وقع عليها الآلاف أثناء زيارة الأخير التضامنية الى بيروت، والتي اسمع خلالها الطبقة السياسية كلاما قاسيا ولم يصافح الرئيس عون بحجة كورونا بينما احتضن أما مفجوعة بفقدان ولدها.
لم يجرؤ أحد على لوم اللبنانيين بسبب ندائهم اليائس وقد احاقت بهم أم النوازل وهي في النهاية مسؤولية الطبقة السياسية الحاكمة التي عقد اللبنانيون العزم على اطاحتها عبر ثورة شعبية سلمية عارمة ولم ينجحوا في مساعهم وانتهى الأمر الى تسمية حكومة جديدة انتجها نفس النظام وهندستها نفس التوازنات في ظلّ انعدام البديل الجذري بل واستحالته واقعيا. وفي عهد هذه الحكومة تقع كارثة غير مسبوقة تعادل انفجارا نوويا فيبلغ اليأس مداه والغضب اشدّه وليس كثيرا أن يعلن الشعب على مسمع حكامه أنه يتخلى طوعا عن الاستقلال ويريد العودة الى ماضي الوصاية الفرنسية على هذا الوطن المنكوب بحكامه وجيرانه على حد سواء.
أشعل هذا حوارا ساخنا ووجدنا من يزاود بالذهاب الى الماضي الأبعد، الى ما قبل الاستعمار، الى عصر الخلافة التركية «الزاهية» التي كان مرفأ بيروت وصوامع الحبوب التي صمدت للانفجار من منجزاتها الباقية !! نعم هذا ما كتبه الاعلامي الاخواني في قناة الجزيرة أحمد منصور صاحب البرنامج الشهير شاهد على العصر. طبعا صوامع الاسمنت المسلح هي هندسة حديثة وصف الصوامع المقابلة مباشرة للانفجار تحطمت وانهالت منها اطنان الحبوب التي امتصت الضغط وحمت صف الصوامع خلفها وهي بشكلها الدائري تسمح بتوزيع الضغط والصمود افضل من الجدران المستقيمة. إنما المعلومة التي أوردها المعلقون موثقة ردا على منصور ان الصندوق الكويتي العربي للتنمية هو الذي بنى هذه الصوامع كمنحة للبنان عام 1970.
اليأس من الحاضر يستدعي اشباح الماضي الذي يعاد تشكيله وتنقيته من الشوائب كما نفعل عادة بموجات الحنين لماضينا المباشر الذي نستعيده مجملا بالرضى والبساطة والصدق ونقيا من الشوائب وأقلها شظف العيش والعوز والمعاناة مع ابسط الحاجات وابسط الأمراض. ولعل اليأس من الحاضر وبدائله الفاشلة أسس عموما للأيدلوجية الأصولية الدينية التي تستعيد الماضي محاطا بهالة من النقاء والمجد والكمال وهي تستعيد حتى العصر العثماني بنفس الصورة بما في ذلك محطّاته الأخيرة الأكثر انحطاطا والتي جايلها وعايشوا بؤسها عيانًا الآباء والأجداد.
من مآسي الحاضر العربي الهروب الى الماضي وأسطرته في الخيال كبديل وهو لا يكون أحيانا حتى في قناعة مقتنعيه بديلا واقعيا ممكنا بل يكفي أن يكون في الذهن مشروعا خلاصيا يملأ الفراغ. إنما في الحالة اللبنانية اليوم فالأمر اكثر الحاحا ومباشرة لحلّ مسألة الحكم واذا كان الاستنجاد بالوصاية الفرنسية الماضية مجرد تعبير رمزي عن اليأس فليس كثيرا أن يطرح اللبنانيون مشروعا واقعيا من الحاضر وأدواته بطلب وصاية ما من المجتمع الدولي عبر اداة شرعية كالأمم المتحدة لفترة انتقالية تنتشل لبنان من قعر الهاوية.