الأحد، 14-02-2021
05:41 م
التنمية حق للمواطن وواجب على الدولة. فهي تتحمل اعباء التخطيط والتنظيم وادارة الشؤون العامة وتستوفي الضرائب وتضع القوانين. في الأردن الذي تضاعف سكانه عشرات المرات خلال تأرجح السياسات والمواقف حيال التنمية بين التغيير والمحافظة ففي الوقت الذي سارت فيه التشريعات والمؤسسات نحو التطوير والتحديث بقيت العلاقات والنظرة للمجتمع مستندة الى منظور عشائري لا يختلف كثيرا عن المنظور الذي عمل بموجبه الجنرال كلوب إبان بناء وتطوير القوات المسلحة في ثلاثينيات القرن الماضي.
فحتى هذا التاريخ ينتخب المواطنون ممثليهم على اسس القرابة والروابط الدموية والجهوية والطائفية بعيدا عن البرامج والانتماءات الحزبية التي يجري الاختيار بموجبها في الديمقراطيات العريقة. كما لم يتخل الناس عن نظرتهم لمناطق سكناهم كديار تخصهم يتولون حراستها وحمايتها وينظرون لها باعتبارها واجهات عشائرية لا حقوق لغيرهم في الوصول اليها او الاستثمار فيها.
النظرة السائدة لدى القبائل والعشائر الاردنية تجد الكثير من التدعيم الرسمي المقصود وغير المقصود فمن ناحية اعادت الدولة وبروتوكولاتها للاستخدام الرسمي مفهوم «المضارب» وبني الخطاب السياسي الاعلامي على قواعد تدعم الرؤية العشائرية فقد نظمت الاجتماعات على أسس عشائرية ووجدت في التنظيم الاداري وحدات ترتبط بشؤون العشائر ونصت التشريعات التي تنظم الانتخابات على اتخاذ تدابير للحفاظ على البنى العشائرية وتخصيص مقاعد نيابية لدوائر يمنع فيها الترشح لغيرهم كما تحرمهم من التصويت خارج الدوائر التي جرى تحديدها على هذه القواعد.
في الأردن اليوم وبعد مرور مائة عام على تأسيس الدولة ما تزال العشائر ركيزة أساسية في الحفاظ على الاستقرار وأداة ضرورية لفرملة التغيير ومصدرا مهما لتجنيد الافراد في القوات المسلحة والاجهزة الامنية. فعلى مدار كل هذه السنوات ظلت المناطق الاردنية تعرف بأسماء العشائر التي تسكنها وبقي الافراد ينظرون لأنفسهم باعتبارهم اصحاب الارض ويرون الانتماء لعشائرهم أبلغ وأهم واكثر ديمومة من الانتماءات الاخرى.
التعريف باسم القبيلة والثناء المتبادل على القبائل طقس يتكرر عند كل موقف تعارف او اتصال ومن غير المحتمل ان يقيم اي فرد علاقة بآخر دون ان يتعرف على الاسم والاصل ويؤصل هذا التفاعل باستدعاء اسماء كل من يعرفهم من عشيرة الشخص المقابل ويستذكر المواقف لهم ويثني على ما يستحق الثناء منها. من هنا تجد العشائر وبطرق مختلفة ان لها هوية تسقطها على ابنائها الذين يشعر كل واحد منهم انه يشترك مع الجميع في الشهرة والمجد والاعباء والكرامة التي ينتجها كل واحد منهم.
الجديد فيما يحدث اليوم هو الصدام بين الاعمال والاستثمارات من جهة ونظرة القبائل والعشائر والسكان المحليين لها. في اكثر من موقع تعرضت الاعمال والمشروعات والاستثمارات الى تعديات قام بها بعض الاشخاص ممن استثمروا أو استغلوا الروح الجمعية للعشيرة لتبني المطالبة باستحقاقات وحقوق لها. الظاهرة التي تكررت في المفرق وعمان والطفيلة والسلط ومختلف مناطق المملكة تجد اصولها في الاختلال الناجم عن استخدام الخطاب المركب الذي يعرف المناطق وينظر لها كواجهات عشائرية تخص مجموعات بعينها في الوقت الذي ينظر فيه للأعمال باعتبارها مشروعات صناعية او تجارية او خدمية لا هوية سياسية او اجتماعية لها فهي استثمارات اقتصادية غير معنية بمراعاة التركيبة الموصوفة وغير مقيدة بها.
المزعج فيما يحدث ظهور قيادات ورعاة لهذه الاعمال التي اصبحت تستفز الجميع وتشوه صورة المجتمع ومؤسساته واجهزته. بعض هؤلاء الرعاة يحظون بحماية ورعاية تكفل لهم النشاط وإثارة النعرات دون محاسبة تذكر. الخطاب المستخدم في استخدام الترويع والإخافة تحت غطاء الاستحقاق يثير الكثير من التحديات التي ينبغي الاستجابة لها.
اختراق حرمة المؤسسات الخاصة والاعمال وتهديد اصحابها يعيدنا الى ثقافة الغزو والغنائم ويثير في نفوسنا الفزع بأننا لم نحقق الكثير في الجانب الذي اعتقدنا انه الميزة النسبية لنا. الامن والامان ليس شعارا نرفعه اذا ما أوجدنا الوسائل الفاعلية لتعزيزه والإجراءات الرادعة لمنع اختراقه.