الثلاثاء، 27-07-2021
12:26 ص
بشكل مباغت ينفجر الصراع السياسي في تونس، بين رئيس الدولة قيس سعيد، وما يمثله من تيار، وجماعة الاخوان المسلمين في تلك البلاد، بما يأخذ تونس الى سيناريو خطير جدا.
يخرج الرئيس قبل يومين، ويتحدث عن وجود دولة داخل الدولة، وعن وجود مراكز قوى، ثم يخرج مساء الاحد ليعلن عن تجميد عمل البرلمان ، ورفع الحصانة عن النواب وتوليه رئاسة النيابة العامة لتحريك دعاوى ضد عدد من النواب، من المتورطين في قضايا، وتحديدا قضايا الفساد، وإقالة رئيس الحكومة وتولي السلطة التنفيذية بنفسه، في الوقت الذي انقسم أبناء الشعب التونسي الى مجموعات، بعضها يؤيد الرئيس الحالي وقرارته، وبعضها يعتبره نفذ انقلابا في تونس، وانقلب على نتائج الانتخابات، وعلى الديمقراطية، فيما الغالبية تتفرج على المشهد.
يأتي هذا في ظلال مشهد داخلي سيئ اقتصاديا، ومنهار صحياً، ومتردّ خدماتيا، ومنقسم شعبيا في ظل حالة من الاستقطاب الداخلي والخارجي، ووجود صراعات صغيرة وكبيرة.
المخاوف الآن على أشدها من ان تذهب تونس الى فوضى مسلحة مفتوحة، والرئيس الحالي ألمح الى وجود اطراف مستعدة لدفع المال من اجل التورط في الاقتتال الداخلي، وبرغم ان الجيش الذي استجاب للجماهير العام 2011 ضد الرئيس السابق زين العابدين بن علي، يحمي خطوة الرئيس الحالية، بما يعني ان الرئاسة تحالفت مع الجيش في هذه الخطوة، إلا أن هذا يؤشر هذا من جهة ثانية على ان الصراع قد يتحول الى صراع دموي، خصوصا، إذا أصرت جماعة النهضة، وحلفاؤها في ائتلاف الكرامة، ورئيس البرلمان الإسلامي راشد الغنوشي على صياغة ردود فعل كبيرة، بدأت فعليا باعتصامه لوقت قصير امام مقر البرلمان، بعد منعه من دخوله، ثم المواجهات بين المتظاهرين لحزب النهضة والجيش والامن في بعض المناطق، وإصدار البرلمان لبيان يندد فيه بقرارات الرئيس ويرفضها، ويشكك أصلا في دوافعها.
هناك سيناريو يتحدث عنه البعض، يؤشر على فوضى محتملة، خصوصا، ان السلاح متوفر، ولا احد يضمن ردود الفعل الداخلية، والى اين سوف تأخذ الشعب التونسي في هذا التوقيت، الا اذا كان تدخل الجيش، حاسما، لمنع الفوضى داخل تونس، بما يعنيه ذلك من كلف كبيرة.
سيكون متوقعا ان تدعم عواصم عربية ودولية الرئيس التونسي في خطواته، خصوصا، على صعيد تدعيم موقعه، وبالذات عبر الدعم المالي والسياسي، لكن الازمة تكمن في ان تونس التي صدرّت الربيع العربي، الى كل المنطقة، قد لا تحظى بفرصة هدوء لترتيب الأوراق، في ظل الصراع الموجود أساسا، والأزمات التي نراها، مثلما ان نواب البرلمان التونسي رفضوا قرارات الرئيس، ويصرون على عقد الاجتماعات ولو عن بعد، في تحد واضح لقراراته، بما يعنيه ذلك على صعيد استقطاب فئات كثيرة، والتحشيد الشعبي ضد موقف الرئيس، او معه.
الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي وصف قرارات الرئيس الحالي بكونها انقلابا حين قال ان ” ما حدث هو انقلاب، وهذا الرجل خرق الدستور وأعطى لنفسه كل السلطات، شيء لا يصدق، إذا تواصلت المهزلة لن يتحسن الوضع في تونس بل سيزداد سوءا”.
هناك استنساخ جزئي لتجربة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، برغم ان التفاصيل ليست متطابقة، تماما، إلا أن المبدأ العام، أي عزل الاخوان المسلمين، وتركيز السلطة بشكل مختلف، بدعم الجيش والامن، تحديدا، في ظل حالة سخط شعبي، يتكرر في تونس بنمط مختلف.
لم تنجح أي تجربة عربية في الربيع العربي، كل التجارب فشلت، بسبب التدخلات الخارجية، والأزمات الاقتصادية، وحالة الجدل والصراع، والبنى الداخلية الهشة، والاختلاف.
إذا حللنا كل تجارب الربيع العربي، وجدنا ان غالبيتها أدت الى أوضاع أسوأ، خصوصا، مع التجفيف الاقتصادي، وانفجار الاختلافات الاجتماعية والسياسية، واذا كانت تونس اول الثورات، فهي تبدو اليوم، آخرها، أيضا، في توقيت خطير جدا، قد يؤدي الى انفجار الصراع الداخلي على مستوى الفوضى المسلحة، او الفوضى السياسية العارمة، او حتى محاولة اسقاط الرئيس، ونظامه، خصوصا، أن لا احد يعرف بشكل محدد، الى اين تمضي تونس خلال الأيام المقبلة، برغم كل محاولات تلطيف المشهد وتبسيطه، في بلد يشعر اهله بخسارة كل شيء.
تونس، أول الثورات، وقد تكون آخرها.