الإثنين، 27-09-2021
04:33 م
لعل الولايات المتحدة الأميركية هي أول دولة في العالم أنشأت إدارة خاصة بالمخاطر(risk management) وذلك على إثر اختراعها واستخدامها واقتنائها للقنابل الذرية والهيدروجينية، واستخدام الأشعة في التشخيص الطبي، وكم المواد الكيماوية السامة الكبير والمسرطنة في الأغذية، وفي البيئة، وفي المختبرات، او حتى في مكان العمل. كانت حماية الصحة العامة وسلامة المجتمع ووقايته والبيئة من تأثيراتها واثرها، هي الدافع الأول لذلك. وقد قلدتها كثير من الدول بعد ذلك فيه، وأخذ موضوع إدارة المخاطر ينتشر وبخاصة في البنوك وشركات التأمين… لدرجة أن الجامعات رسملت عليه والتقطته وجعلته تخصصاً حتى في جامعات الأردن الذي لا يوجد لخريجه وظائف أو عمل في غيرها.
لقد جذب الحديث عن “ثروة” الأردن بمعدن اليورانيوم وإنشاء مفاعل بحثي فيه انتباه الناس إلى مخاطر هذا المعدن والمفاعل على الصحة العامة، فقالوا فيه ما قال مالكِ في الخمر.
ومنذ فتح الحديث فيه وذاع وشاع صار المجتمع الأردني أكثر حساسية تجاه المخاطر الأخرى، مثل ندرة الماء، والتلوث، وتغير المناخ، والأوبئة، كما ازداد وعيه فيها لدرجة أنه صار يشعر أنه أكثر هشاشة مما كانت عليه الأمور في بدايتها.
ومع هذا لم تنشأ إلى اليوم في الأردن/ الدولة إدارة مرجعية خاصة بالمخاطر، تقيمها بالبحث العلمي، وتواجهها بالإجراءات اللازمة للحد من تأثيراتها وآثارها وللخفض من اضرارها، أو إلى أدنى حد منها. توجد مثل هذه الإدارة في الأردن في البنوك فقط حفظها الله وأدام نموها وأبقاها ذخراً للمساهمين والمواطنين.
ولغياب هذه الإدارة في الدولة إلى اليوم قد يعتقد الزائر الأجنبي للأردن أنه لا يوجد علماء مختصون في المخاطر فيه، وأنه متروك للعامة والهواة يخبصون فيها. مما يجعل الوعي المجتمعي بهذه المخاطر لا يرقى إلى مستواها كماً ونوعاً.
لا أحد – مثلاً – يسأل أو يعرف أين نخزن او ندفن نفايات او مواد المفاعلات البحثية (والطب النووي) في الأردن التي تستمر اشعاعاتها لآلاف السنين، أو فيما إذا كان المخزن أو المدفن آمناً ومحكماً لا تنفذ منه الاشعاعات إلى الناس، أي فيما إذا كانت شروط الأمان والسلامة متوفرة أم لا.
وبغياب الإدارة العامة للمخاطر مع وجود المخاطر والوعي النسبي لها تتسمم العلاقات حول هذا الموضوع في المجتمع أفقياً وعمودياً، وتغيب الثقة فيه. وغياب الثقة يؤدي إلى الفوضى، فيشتد العطش إلى النظام (Order) وإلا فإنها (الفوضى) إذا تركت فقد تشتد وتتطرف وتهدد أسس المجتمع أو الدولة بالانهيار.
والمخاطر قد تكون فيزيقية (مفاعل ديمونا مثلاً)، أو بيولوجية (كما في أعلاف الطيور والحيوانات)، أو كيماوية (كما في الهرمونات)، أو مالية/ اقتصادية فردية أو عامة، أو عالمية مثل التلوث وتغير المناخ والأوبئة.
لقد التقطت البنوك في العالم الفكرة (Risk) ومأسستها بإنشاء إدارة للمخاطر في كل منها بهدف استيعاب المخاطر البارزة أو المحتملة في عملياتها البنكية أو للتنبؤ بها، وهي إدارة لا يراها الجمهور ولا يتعامل مباشرة معها، مع أنها مكلّفة بحماية البنك وحقوق المساهمين والعملاء.
وحسب هذا العلم (علم المخاطر لا مفرد للكلمة) فإن المخطر (Risk) يعني: “فقدان شيء ما له قيمة، او الحرمان من كسب شيء ما له قيمة صحية، أو مالية، او اجتماعية، او اقتصادية، او نفسية، او عاطفية… ويعرفه آخرون: “بالتفاعل مع اللايقين، وان إدراكه ذاتي أي يخضع لحكم المسؤول في إدارة المخاطر المتعلق بشدته أو لتنبئه في الوقت المحتمل لوقوعه. وهو تنبؤ يستند إلى تحليل البيانات والمعلومات المستمدة في البحوث ذات العلاقة وتقييمها واتخاذ الإجراءات السلامة لمواجهة المخطِر (أو الخطر) في المستقبل القريب أو المنظور اكثر من علاقته بالمستقبل البعيد او غير المنظور. أو عند النية للقيام بمشروع أو باستثمار ما فتجري دراسة، متضمنة المخاطر الممكنة أو المحتملة لكل منهما.
والمخاطر في كل نشاط أو مشروع ظاهرة أو كامنة، محتملة أو ممكنة، أو متوقعة، أو مفاجئة كما في جائحة الكورونا.
وبالنسبة إلى البنوك فإن إدارة المخاطر فيها تنشغل بالركود، والتضخم، والفائدة، والإقراض، وتقلبات الأسواق المالية وأسعار العملة، وإفلاس المدنيين من الأفراد والشركات. وبإيجاز بكل الأدوات المالية، ويراقبها البنك المركزي فينبه وبحذر ويقرر.
وفي ضوء هذا الكلام يجدر بالمتعاملين مع البنوك ان يختاروا البنوك النامية المتطورة والموثوقة بها إدارياً ومالياً، والقادرة على امتصاص الهزات والمخاطر إذا وقعت.