لو أراد الأردن تجديد بنيته التحتية فسوف يحتاج إلى مليارات الدنانير، فهي بنية تحتية قديمة تتم إدامتها بالتقسيط والترقيع معا، مما يعني أن المشكلة هنا سوف تتزايد في السنين المقبلة.
كل الدول المتطورة، تضع في حسبانها إضافة إلى كلفة أي مشروع أصلي، كلفة الصيانة والتجديد والإدامة والتشغيل، وفي بعض الدول يتم حسبان كلفة الشارع الجديد، والتوقعات حول كلفة صيانته أو تغييره بعد فترة محددة، والأمر ينطبق على كل البنى التحتية من اتصالات ومياه وكهرباء وصولا إلى بقية القطاعات والخدمات مثل المدارس والمستشفيات، وأي مؤسسات على صلة بالخدمة العامة، المرتبطة بحياة الناس، وجودة هذه الحياة، وأهمية ترقيتها دوما. المنخفض الثلجي الأخير كشف الحقيقة التي يعرفها الكل، فالبنى التحتية متهالكة، والشارع تعرض إلى أضرار فوق أضراره الأصلية عند فتحه بالمعدات جراء التجريف، وخدمات الكهرباء تراجعت أمام كثرة الأعطال، وقطع الخطوط، وسقوط الأعمدة، والمواطن أيضا عليه مسؤولية أشجار بيته المرتفعة التي يتركها لتتطاول فثقلت بالثلج وتكسرت على خطوط الكهرباء، القديمة أصلا، مع أعمدتها التي خدمت فوق مدتها الأصلية، والحال ينطبق على شبكات المياه التي تفجرت، أو شبكات الإنترنت التي تقطعت، في بلد تتم إدارة بنيته التحتية على طريقة المياومة، يوم بيوم، حيث الحلول الجذرية مكلفة جدا، والكل يصيح ويتأوه من قلة المال، وضيق ذات اليد.
الملف الأصلي هنا هو ملف البنى التحتية، والذي يذهب إلى مؤسسات حكومية قديمة، مثل بعض المستشفيات او المدارس، او غير ذلك يجدها بحاجة الى تغيير كلي، وليس مجرد صيانة عابرة. إذا سألت الرسميين يقولون لك: يا ولدي هذه مؤسسات وبنى تحتية أقيمت لشعب كان عدده أربعة ملايين، وعدد الناس اليوم، أكثر من عشرة ملايين، حيث تمددت المدن، وزاد الضغط على الخدمات من السكن إلى الشارع إلى المدرسة، مرورا بشبكة الكهرباء والهاتف والمياه وغير ذلك، ويضيفون أن العواصف الثلجية تؤذي دول العالم، بما في ذلك الدول المتطورة والغنية جدا، وآخرها الولايات المتحدة التي تنقطع الكهرباء عن ملايين البيوت فيها، وتغلق المطارات والشوارع. نحن لسنا في وارد التلاوم اليوم، فالكل يتهم الكل، وتوزيع الاتهامات سهل جدا، وإذا أردنا شعبية جارفة قلنا بعد المنخفض: فلتسقط الحكومة، وإذا أردنا التوسط قلنا: إن الحق على المؤسسات وعلى الناس في بعض الحالات، وإذا أردنا النفاق قلنا: إن الحق على الطليان فقط، ويكفينا الأمن والأمان في هذه البلاد دام عزها، وظلل على من يعيش فيها، بخير وأمن وسكينة وسلام. لا بد من مشروع كبير لتجديد كل بنية الدولة، وبنية الدولة هنا، ليس مجرد الشارع المليء بالحفر، أو البلدية التي تنقصها وسائل فتح الشوارع المغلقة، أو المستشفى الذي لديه سيارات إسعاف قديمة، أو المدرسة التي يدلف سقفها، مشروع تتم فيه دعوة كل الأطراف ذات الصلة.
الدول تهرم مثل الشعوب، وإذا هرمت الدول تظهر أعراض ذلك عبر ملامح عدة، ومن المثير حقا، أن أغلب البنى التحتية الممتازة في الأردن، من سنين فائتة، وكانت مناسبة جدا، في تلك الظروف لكن الوضع الآن تغير تماما، لاعتبارات مختلفة، وأخشى ما أخشاه، ألا نتمكن من الحفاظ حتى على الموجود جراء تركه للإهمال، والتراجع، وعدم الإدامة والتوسع في الخدمات. هذا يفرض التفريق بين الهمز واللمز من قناة الرسميين، وبين النقد الموجب للتحرك، والأدهى والأمر هنا، أن الحل المتاح كل مرة هو قروض ومنح مع فوائد منخفضة تارة لتحسين بنى الصحة، أو بنى التعليم، أو أي بنية تحتية في البلد، وكأننا نشنق أنفسنا بهذه الطريقة، فنصلح خدمة ما، ونرتهن مقابلها لمؤسسات عالمية، وقد يكون الحل في رصد كل نقاط الضعف في البنى التحتية ووضع خطة على مدى عامين، من أجل معالجتها عبر إعادة توزيع الأموال المتوفرة، وتسخير إمكانات من داخل المؤسسات ذاتها من أجل تحسين الخدمات والبنى التحتية في الأردن.
في الثمانينيات كنا نتباهى بالبنى التحتية والخدمات، أمام دول نفطية، لكن ماذا نقول اليوم، أمام هذا المشهد الذي لا يرضاه المرء، لنفسه ولبلده التي ربته كأم حنون يتخلى عنها اليوم؟ والسؤال مفرود لمن لديه وقت للإجابة في وطن المشغولين بكل شيء، عدانا نحن.