التكيف مع جائحة كورونا بات النمط الأكثر شيوعا في العالم، ففي دولة مثل روسيا الاتحادية التي تسجل معدلات عالية من الوفيات والإصابات نظمت قبل أيام انتخابات في عموم البلاد، في المقابل لجأت دول قليلة إلى الإغلاق الشامل لبعض الوقت في محاولة للسيطرة على تفشي الفيروس.
الأغلبية من الدول اختارت طريقا متوازنا يقوم على مبدأ إبقاء معظم القطاعات الاقتصادية مفتوحة، واتباع نظام تعليمي متعدد في المدارس يجمع بين التعليم عن بعد وفي الغرف الصفية. في الأردن ليس أمامنا من خيار سوى المزيج من الإجراءات المتشددة والانفتاح شبه الكامل للقطاعات،الوضع الاقتصادي لا يسمح أبدا بالإغلاق الشامل، لكن الأسابيع الأخيرة شهدت حالة من الارتباك في القرارات الحكومية، فمع تزايد أعداد الإصابات قلصنا ساعات حظر التجول الليلي، وكان بإمكاننا إبقاء الوضع على ماهو عليه للفترة المقبلة.
قد يبدو من الصعب حاليا التراجع عن القرار، لكن مع تصاعد الوضع الوبائي لا بد من مراجعة الإجراءات ومواعيد الإغلاق، في الوقت ذاته تبنّي معادلة جديدة للتعليم في المدارس لتخفيف الضغوط على فرق التقصي الوبائي، وحصر بؤر الوباء، ويمكن في هذا الصدد الأخذ بالأسلوبين في التعليم وترك الخيار لذوي الطلبة بإرسال أبنائهم إلى المدارس أو تلقي التعليم عن بعد.
الأهم من ذلك كله ترجمة الأقوال إلى أفعال، والعمل بشكل جدي لتطبيق أوامر الدفاع بمنع التجمعات الكبيرة، ومعاقبة منظمي المناسبات، وفرض ارتداء الكمامة في الأماكن العامة، وتقليص أعداد الموظفين في الدوائر الحكومية، وتشجيع مؤسسات القطاع الخاص على اعتماد أسلوب العمل عن بعد قدر المستطاع.
هناك استحقاق دستوري يتمثل بالانتخابات النيابية، قد لا يكون هناك مجال لتأجيله، خاصة وأن العالم كله لايعرف على وجه التحديد موعدا لنهاية الجائحة أو توفر لقاح فعال. أفضل التقديرات تشير إلى الصيف المقبل كموعد محتمل لتوزيع اللقاح ووصوله لجميع الدول، وهذا من شأنه أن يفرض على الدول التكيف مع الوضع القائم لفترة طويلة، الولايات المتحدة على سبيل المثال تسجل معدلات مرتفعة من الاصابات لكنها ماضية في خطتها لتنظيم انتخابات رئاسية في الثالث من تشرين الثاني”نوفمبر” المقبل، ومثلها مصر التي تعاني من تفشي الوباء حددت هي الأخرى موعد الانتخابات التشريعية في شهر نوفمبر المقبل.
استراتيجية التكيف هي الاختبار الحقيقي والحاسم لقدرة المؤسسات الحكومية على العمل ولصانعي القرار في الحكومة، المرحلة السابقة من المواجهة مع الوباء كانت أقل خطورة باعتماد نهج الإغلاق الشامل والحظر الجزئي لاحقا، ولم يتسن لنا امتحان قدرة القطاع الصحي ولا خطط الطوارئ المعدة، إلا في قطاعات محدودة.
المرحلة الجديدة مختلفا كليا، وما نخشاه، استنادا لنهج الإدارة الحالي، هو أن طاقم الحكومة غير مستعد لمباراة من الوزن الثقيل، إذ تظهر على السطح حالة من الارتباك والاضطراب في القرارات وآليات العمل وتضارب في المواقف والتوجهات، كان لها أثر سلبي على الرأي العام المشوش والقلق.
ينبغي على طاقم الحكومة أن يستعيد المبادرة بسرعة فالبلاد بعد انفلات الوضع الوبائي لا تحتمل انفلاتا في إدارة الأزمة.