أُنشئِت دائرة إشهار الذمة المالية بموجب قانون الكسب غير المشروع كوحدة إدارية مرتبطة بوزير العدل ويرأسها قاض من محكمة التمييز يسميه المجلس القضائي. وهذا الترتيب القانوني يثير شبهات بعدم الدستورية، حيث أنه يتعارض مع مبدأ الفصل الجامد بين السلطتين التنفيذية والقضائية، ولا يتوافق مع استقلالية كل من السلطة القضائية والقضاة العاملين فيها. بالتالي، لا بد من التفكير مليا في حل هذه المعضلة القانونية، بفك الارتباط القائم بين السلطة القضائية من جهة ودائرة إشهار الذمة المالية من جهة أخرى، بحيث يقتصر عمل القاضي على الفصل في المنازعات الناشئة عن عدم تنفيذ القانون.
كما تنبع الحاجة إلى إلغاء تبعية دائرة إشهار الذمة المالية للسلطة التنفيذية، ومنحها الاستقلالية اللازمة عن وزير العدل، الذي هو من الأشخاص المكلفين بتقديم إقرارات الذمة المالية الخاصة به وفق أحكام القانون.
إن إنشاء جهة مستقلة قائمة بذاتها تتابع تنفيذ أحكام قانون الكسب غير المشروع سيتعارض مع السياسة العامة للدولة والمتمثلة في الحد من فكرة المؤسسات المستقلة المرهقة ماليا. فيكون الحل الأمثل في إلحاق هذه الدائرة بإحدى الهيئات الرقابية القائمة، والتي تتشابه وتتداخل مهام عملها مع الغاية من إنشاء دائرة إشهار الذمة المالية. ولا يمكن التفكير بأفضل من هيئة النزاهة ومكافحة الفساد لتكون مسؤولة عنها.
إن الارتباط بين هيئة النزاهة وأعمال دائرة إشهار الذمة المالية واضح وجلي. فالمادة (8/ج) من قانون النزاهة ومكافحة الفساد تلزم مجلس مفوضي الهيئة في حال وجود أدلة على نمو غير طبيعي في ثروة أي من المشمولين بأحكام قانون الكسب غير المشروع، أن يطلب من دائرة إشهار الذمة المالية تزويده بصورة طبق الأصل عن الإقرارات التي قدمها ذلك الشخص. فهذا الاختصاص الذي قرره القانون لهيئة النزاهة في مراقبة أي زيادة غير طبيعية في الذمة المالية لأي من الأشخاص الخاضعين لأحكام قانون الكسب غير المشروع، يبرر اعتبارها الجهة المخولة باستلام الإقرارات ابتداء، بحيث إذا أثيرت شكوك حول استغلال أحد المسؤولين لمنصبه العام وزيادة في ثروته المالية، تقوم الهيئة بالتحقق منها عبر التدقيق في نماذج الإقرارات المسلمة إليها.
وما يعزز من العلاقة بين هيئة النزاهة ودائرة إشهار الذمة المالية أن جرائم الكسب غير المشروع تعتبر من جرائم الفساد التي تختص الهيئة بملاحقتها وفق أحكام المادة (16/أ/3) من قانونها. فطالما يثبت الاختصاص لهيئة النزاهة في التصدي لجرائم الكسب غير المشروع، فإن ذلك يدعم وجهة النظر في أن تكون دائرة إشهار الذمة المالية إحدى دوائرها وأقسامها الداخلية.
إن إسناد الاختصاص بتلقي إقرارات الذمة المالية لهيئة مكافحة الفساد لها تطبيق في القانون المقارن، فالقانون الكويتي الخاص بإنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد لعام 2016 قد أسند للهيئة صلاحية استلام نماذج الإقرارات المالية التي يقدمها الأشخاص المكلفون، وذلك كمظهر من مظاهر مكافحة الفساد.