ربما هذا أكثر بلد لديه عدد سيارات مقارنة بعدد مواطنيه، ونقترب تدريجيا من عدد مليوني سيارة في الأردن، كلها تدفع ضرائب وقود، وتلوث البيئة، وتغلق الطرقات في كل مكان.
والرقم مذهل إذا صح بشكل دقيق، خصوصا أننا كنا نقرأ عن ارقام اقل من حيث عدد السيارات، لكن الاستمرار في اقتناء السيارات، وهو حق انساني، بات واضحا، برغم كل الاضرار التي نراها، وليس ادل على ذلك من عشرات السيارات التي تقف عند كل عمارة سكنية، وعشرات السيارات التي تقف ليلا في الشوارع الفرعية وتغلقها عن بكرة ابيها، وكأنها شوارع رئيسة.
احصاءات عدد السيارات في الأردن متفاوتة بين تصريح وآخر، وبين سنة وثانية، لكنك في الأردن يستحيل ان تعطي موعدا وتصل اليه بشكل دقيق، مع ازمات السير التي تخنق الشوارع، طوال النهار، وخصوصا، في ساعات الذورة، وبات طبيعيا ان تخرج في ساعة متأخرة ليلا وتجد الشوارع تفيض بالسيارات ايضا، وحتى صباحات العطل الرسمية، مثل الجمعة او غيرها من صباحات.
هذا ملف شائك، واخطر ما فيه كثرة حوادث السير، والسواقة الخشنة جدا، وعدم احترام اولويات السير، برغم المخالفات المالية التي يتذمر الكل منها، لكن الكل يتورط فيها ايضا.
انخفاض اسعار السيارات وتحديدا المستعمل منها، شجع على اقتناء السيارات، وتقسيطها مصرفياً، وقد قال مدير امن عام سابق، في لقاء مع الصحفيين ان نمط استعمال السيارات في الأردن يختلف عن اي دولة، حيث ان تسعين بالمائة من السيارات يقودها صاحبها منفردا، ولا يوجد معه احد، ومعنى الكلام هنا ان الزوج قد يستعمل سيارة، والزوجة قد تستعمل سيارة، والابن قد يستعمل سيارة، ولا دمج في المشاوير او تخفيف لكلف الوقود، او الصيانة.
لا يمكن لهذا الموج الحديدي المتحرك في الشوارع، ان ينضبط دون حلين، اولهما توزيع الكاميرات في كل مكان، وثانيهما اعادة النظر في كلف تأمين السيارات، ونحن هنا لا نتبنى مظلومية شركات التأمين التي تطالب بالمزيد من المال، وتقول انها تخسر، بل نؤشر على استسهال قادة السيارات الوقوع في الحوادث، وعند كل حادث يقول لك بكل برود اعصاب اذهب الى التأمين، ولا تلحقه اي كلفة، او غرامة مناسبة، تجعله يتضرر ايضا، مثلما تسبب بالضرر لغيره من اصحاب السيارات، وربما يتم ربط هذا الامر وتفعيله بشكل مختلف، على انظمة التأمين وفق ضوابط جديدة. سعر الوقود يرتفع تارة، وينخفض تارة، لكنه في كل الاحوال اصبح مرتفعا، ونصف المال الذي ندفعه ثمنا للوقود يذهب للخزينة، وهذا يعني انك كلما رأيت مئات آلاف السيارات تجوب الشوارع، كلما عرفت ان المال يتدفق الى الخزينة، بما يفرض اليوم اعادة نظر الافراد لطريقة حركتهم، وانفاقهم لمالهم، بدلا من هذا التورط في كلف كثيرة تمر ايضا بالترخيص والصيانة.
الضرر البيئي بات خطيرا جدا، وملف البيئة لا يقف عنده احد، برغم ان كل العالم بات يتضرر بيئيا، وباتت هذه الاضرار تترك تأثيرا على المناخ والشتاء والصحة العامة في كل مكان.
لو كان لدينا انظمة مواصلات حديثة ومناسبة وعامة تغطي كل مكان ضمن مستويات جيدة، لتخلى الناس عن سياراتهم، لكن محاولات اصلاح هذا الخلل بطيئة وتتعثر بسبب كلف التمويل، وبسبب اللجوء الى حلول غير جذرية، تعيد انتاج الوعي العام ومتطلباته الحياتية في الأردن.
لقد فات الاوان على ايجاد حل جذري لهذه المشكلة، لأن اقتناء سيارة حق لكل فرد، لكننا نتحدث عن البنية التحتية التي لم تعد تحتمل اصلا، وتعاني من مشاكلها التي نعرفها جميعا.