الأربعاء، 30-11-2022
04:23 م
هاتفني وزير سابق أدار عدة وزارات ومؤسسات، فلديه كثير ليتحدث به وعنه، تقييما، وتقديرا، وتحليلا، وتوقعا. ناقشني في عدد من القضايا والملفات، وللأمانة فإنه يملك تشخيصا يُحترم، وبعض الحلول التي أرى نجاعتها، لكنه يقول بأنه يشعر بالألم لما وصلنا إليه.
لا أريد أن أكرر ما يقوله الأردنيون في مثل هذه الحالة: “ماذا أنجزتم عندما كنتم تجلسون على كراسي الإدارة، وأين أنتم الآن؟ لماذا لا تتحدثون وتقاتلون من أجل مصلحة البلد”؟ لن أتحدث بهذا النفس لقناعة خاصة تتمثل في أن ليس جميع المسؤولين السابقين والحاليين هم فاشلون، فمنهم من أنجز، واجتهد، إلى جانب أن أي مسؤول قد يكون قد ارتكب خطأ أثناء عمله، ليكتشف لاحقا ذلك، وهذا أمر طبيعي.
سبق هذا الهاتف جلسة مع رئيس وزراء سابق، قال في معرض حديثه أن هناك وزراء على قناعة تامة بأن الحصول على لقب معالي هو بمثابة مكافأة نهاية الخدمة. لم استغرب حديثه أبدا، وإلا لرأينا منجزا حقيقيا لبعض هؤلاء ممن يؤمنون بأن المنصب تكريم يتغنون به بين أبناء جلدتهم ومعارفهم، حتى بعد أن يغادروه، وهم يرون أيضا أن لهذا المنصب مهام شكلية تنتهي سريعا ويبقى بريقه.
في المقابل، تكاد لا تمر الذكرى السنوية لاستشهاد رئيس الوزراء السابق وصفي التل دون أن نشعر بالضعف الشديد، ولننظر للأمر من زاوية أخرى بعيدا عمن هو وصفي، وماذا قدم، حيث الجميع يعلم ذلك جيدا.
إن لمواصلة تخليد الأردنيين لذكرى هذا الرجل معنى آخر من منظوري الشخصي، وهو أننا لم نجد ضالتنا حتى يومنا هذا، وكأن البلد فارغة من الرجال المخلصين الذين يعملون بجد، وانتماء. هل يعقل ألا يؤثر مسؤول واحد في الأردنيين منذ سنوات، أو أن يترك في عقولهم ذكرى واحدة لمنجز قد تحقق؟ هل أصبحنا فقراء بالرجال إلى هذا الحد؟!
في الواقع، لا نملك مثل هذه العينات، فالبلد مليئة بالمسؤولين، لكن معظمهم بلا هيبة، لا تزلزل الارض من تحت أقدامهم عندما يمشون، ولا يملكون أذهان الناس عندما يتحدثون، فهم هواة قادتهم الصدفة، أو الصداقة إلى هذه المواقع، فملكوها قبل أن تملكهم، كما هو حال المعلم عندما نقارنه بما مضى. هل يخاف الطالب معلمه اليوم؟
هذه الصورة للمسؤول الأردني غير القادر على اتخاذ القرار، والذي لم يعد يملك جرأة كافية لذلك، ويرتعد من الإعلام ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، حتما لن تجعل الناس يثقون بامكانياته وأدواته لتحقيق تقدم في أي ملف من الملفات المهمة. المسؤول للأسف نجح في تصغير نفسه بفشله في الاندماج مع المجتمع، حيث باتت المسافة أبعد ما تكون بين المواطن وحكوماته.
إن الاستمرار بهذا الضعف الشخصي عند البعض، سلوكا ومنجزا، ضار بشكل لا يوصف، وضريبته ندفعها كل يوم. لكن هل يصنع الأبطال أم أنهم يولدون بجينات تؤهلهم ليكونوا كذلك؟ وإن ولدوا أبطالا، ما هو الضامن لأن يستمروا في ذلك. لا أحد يقدم ضمانة في هذا الإطار.
نعود لنقول لن يكون ذلك متاحا طالما نواصل وضع وصفة تطوير التربية والتعليم جانبا، ولا نمنحها أولوية تستحقها، فالرموز من الرجال تولد، قبل أن تصقل في المدرسة والجامعة، وتترك أثرا في حقل العمل. في الحقيقة إن التغني بما مضى وحده لا يحيي أمة.