الأربعاء، 03-06-2020
04:06 م
كحاجة الإنسانية الى تطوير قوانينها بسبب الحداثة، وتزايد الحيوية وما تتمخض عنه مشاكل وتحديات، تحتاج الدول أيضا لخطط معدّة مسبقا لمواجهة المخاطر وأزماتها، وخلال جائحة الكورونا برزت أهمية هذه الإدارة وظهر خطاب أمني لا نقول جديدا، لكننا نقول بأن كل العالم تقريبا أصبح متأكدا بأنه لم يستعد لمواجهة المخاطر كما ينبغي، ونتحدث هنا عن الأمن الصحي والغذائي على وجه التحديد، حيث بات في حكم الأكيد أن كل الدول ستهتم بصورة استثنائية بهذين النوعين من الأمن، بعد الفشل الذريع الذي حصدته دول عظمى في مواجهة مخاطر جائحة صحية.
في الأردن، وفي قطاعي الزراعة والنقل العام على وجه التحديد، ثمة مروحة من الأخطار الكامنة في هذين القطاعين وتواجه العاملين والمستثمرين فيهما، وفي كل مرة تحدث هذه المخاطر، وتلحق الخسائر بالقطاعين وتذهب الى بغيتها، ثم تعود من جديد وتضرب، بلا خطط ولا إدارة لحمايتهما.
التقيت بالوزير الأسبق مدير عام شركت جت الأستاذ مالك حداد، وتناولنا الحديث عن تداعيات جائحة كورونا على قطاع النقل العام، الذي توقف تقريبا خلال تطبيق الأردن لقانون الدفاع، حيث كانت أكثر أوامر الدفاع تنصب على الوقاية الصحية والتي من أهم متطلباتها عدم أو تخفيف الحركة والتنقل وحصرها في أضيق حدود، وهي الحدود اللوجستية، المتعلقة بتأمين الغذاء والدواء للناس، الأمر الذي أسفر عن كثير من المشاكل التي يعاني منها أكثر من 100 ألف أردني يعملون بل يعتاشون من قطاع النقل العام.
أشار الأستاذ حداد الى فكرة بل إلى فعالية كاملة صدر بشأنها قانون، لمواجهة المخاطر التي يتعرض لها العاملين والمستثمرين بهذا القطاع، كخطر التوقف الذي حدث خلال الشهرين الماضيين، وقال بأن هناك صندوق لدعم قطاع النقل، صدر بشأنه قانون ولم يتم تفعيله ولا مرة حتى الآن، ويتساءل استنكارا عن سبب تعطيل العمل بهذا الصندوق، الذي يقدم طوق نجاة للقطاع وللبلاد حين يتعرض للتوقف لسبب أو لآخر.
فكرة صندوق الدعم، لمستها في توجهات حديثة لوزير ووزارة الزراعة، في إطار مساعي الأردن لتطوير سياساته الزراعية لا سيما تلك التي تحمي هذا القطاع الاستراتيجي وحماية العاملين والمستثمرين فيه، حيث يفكر الوزير بتطوير فكرة صندوق المخاطر الزراعية التابع للوزارة، وفق فكرة بل خطّة لم يتم طرقها أو التفكير فيها من قبل، وهي تشبه فكرة صندوق دعم النقل العام التي تحدث عنها مالك حداد، حيث تحاول وزارة الزراعة أن تستحدث كيانا قانونيا لدعم المتضررين في قطاع الزراعة، لأن قانون صندوق المخاطر الموجود الآن لا يدعم سوى المتضررين من الصقيع، بينما هناك سلسلة من المخاطر التي يتعرض لها المزارعون ولا يشملها قانون الصندوق، ولأننا لا يوجد لدينا شركات تأمين تقبل التأمين على الأعمال الزراعية فهي تعتبرها مغامرة خاسرة، تحاول وزارة الزراعة أن تستحدث صندوقا تكافليا، يساهم به مشتركون يعملون بالزراعة، ويدفعوا اشتراكات سنوية او شهرية او موسمية، وتسهم الدولة بدفع ما قيمته 50 أو 30 بالمئة من حجم موجودات الصندوق دعما لأي مزرعة تعرضت لمخاطر غير الصقيع.
هذا النشاط التكافلي التشاركي بين الحكومة والقطاع الخاص الزراعي، تخفف من الأعباء على الطرفين (الحكومة والقطاع الزراعي)، وتفتح مجالا ممكنا للتصدي لأي مخاطر تواجه الزراعة، وهي ممكنة ومطلوبة اليوم ليس في قطاعي الزراعة والنقل فقط، بل في كل القطاعات الحيوية الاستراتيجية، التي تتعرض لأزمات سرعان ما تنعكس على الدولة كلها وعلى الحياة العامة.
يجب علينا أن نتخلى ولو عن جزء بسيط من ثقافة الدولة الأبوية الرعوية، ونعتمد على ذاتنا في حماية الانتاج وتفعيله وتنميته وفق مبدأ التشاركية بين القطاعين العام والخاص، وهذا أسلوب ما زال ممكنا.