تمكن وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الطارئ في القاهرة من إحباط المؤامرة على القضية الفلسطينية واحتواء الاختراقات التي سجلت عربيا عند إعلان صفقة القرن الثلاثاء الماضي.
البيان الختامي للاجتماع الوزاري أكد بشكل قاطع وواضح على رفض صفقة القرن سيئة الصيت، وعدم التعاطي مع مخرجاتها بأي شكل من الأشكال، ودعم الموقف الفلسطيني، والتمسك بمبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية.
كانت إدارة ترامب قد مارست ضغوطا هائلة على معظم الدول العربية،لإقناعها بتنبي مواقف إيجابية من الصفقة، والمثير للدهشة أن هذه الضغوط حدثت قبل إعلان الصفقة أو إطلاع تلك الدول عليها. وبالرغم من ذلك وجدنا من يثمن هذه الصفقة ويعتبرها أساسا صالحا للتفاوض.
عنجهية كوشنير وفريقه الصهيوني لا مثيل لها، فحتى بعد إعلان الصفقة وانكشاف خطورة مضمونها، ظل يطالب الفلسطينيين بالموافقة عليها أولا ومن ثم الجلوس على طاولة المفاوضات لمناقشتها، وعلى قاعدة “نفذ ثم ناقش”!
وبالفعل أصدرت عدة دول عربية مواقف داعمة للصفقة بعد إعلانها فورا، أي قبل أن تطلع على صفحاتها الثمانين.انفرد الأردن ليلتها بموقف مشرف يدعم الحق الفلسطيني ويتمسك بالمرجعيات الدولية والعربية للحل العادل.
وكان واضحا أن بعض الدول العربية تشعر بالإحراج من المواقف التي اتخذتها حيال الصفقة، خاصة عندما تبين أنها تستثني القدس الشرقية، وتمنح إسرائيل السيادة الكاملة على المدينة المقدسة ومقدساتها الإسلامية والمسيحية.
ولهذا لم تستطع هذه الدول أن تدافع عن موقفها عندما توجهت لاجتماع القاهرة الوزاري، فسلمت بالمنطق الأردني والفلسطيني، ولسان حالها يقول لواشنطن،لا تطلبوا منا أكثر من استطاعتنا.
من الناحية العملية أفشل اجتماع القاهرة محاولات شق الصف العربي، وحال دون ممارسة أي ضغوط عربية على الجانب الفلسطيني للقبول بالصفقة، والتسليم بها كمرجعية تفاوضية، في وقت تجاهلت فيه بنود الصفقة تماما المرجعيات التاريخية للصراع العربي الإسرائيلي والمتمثلة أساسا بقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.
الفلسطينيون خرجوا من الاجتماع مسلحين بموقف عربي موحد يرفض الصفقة والمفاوضات على أساسها. ولم يعد من السهل على أي دولة عربية الطلب من السلطة الفلسطينية الانخراط في مفاوضات مع الجانب الأميركي أو الإسرائيلي، خاصة بعد إعلان الرئيس محمود عباس عن خطة سلام بديلة ينوي طرحها بعد أيام أمام مجلس الأمن الدولي، تقوم على مبدأ حل الدولتين، والقدس الشرقية المحتلة عاصمة لدولة فلسطين.
الأردن أكثر الدول العربية ارتياحا لنتائج الاجتماع، فقد ضمن الاجماع العربي على الثوابت، وتمكن بالتنسيق المستمر والمثمر مع الجانب الفلسطيني من حشد الدعم الكامل لموقف عربي متماسك في وجه الضغوط الأميركية.
لقد عاني الأردن من هذه الضغوط طوال الأشهر الماضية، وتكثفت حدتها في الأسابيع الأخيرة، وكان عليه أن يستعد لأسوأ التوقعات، خاصة مع إصرار فريق الإدارة الأميركية على حضور ممثل للأردن في مراسم إعلان الصفقة، وهو الأمر الذي قاومه الأردن بشدة، مثلما رفض المحاولات الحثيثة لثنيه عن إصدار موقف يعارض مضامين الصفقة ويتحدى صياغاتها الكارثية.
لكن الصفقة لم تمت بعد، وما يزال أمام العرب شوط طويل من العمل الدبلوماسي المثابر لمحاصرتها في الميدان الدولي وعلى الأرض الفلسطينية، وحشد المجتمع الدولي للحؤول دون إقدام إسرائيل على خطوات أحادية على حساب الحقوق الفلسطينية.