تحتد الحملات الانتخابية لمرشحي الرئاسة الأميركية ونحن على أيام من يوم الاقتراع. المرشحان ونوابهما ينزلون للميدان، خاصة في الولايات التي تشهد تقاربا في استطلاعات الرأي، في مسعى لكسب أصوات الهيئات الناخبة في تلك الولايات. ولايات مثل تكساس، فلوريدا، ويسكاونسن، وبنسلفانيا، تشهد حضورا مكثفا للحملات الانتخابية. بإجماع كبير، تعتقد غالبية المراقبين أن هذه الانتخابات هي الأهم منذ عقود طويلة الخيار أمام الناخبين فيها واضح وجلي، بايدن يعتقد أنها حملة لاستعادة “روح” الولايات المتحدة ومبادئها، وترامب يعتقد أنها حملة لحماية أميركا من الاشتراكيين التنظيريين الديمقراطيين.
بايدن يطرح نفسه كرئيس سيوحد الأميركيين من كل مشاربهم السياسية وخلفياتهم الاثنية والعرقية بعد أن قسمهم ترامب، وهو يؤكد أن ترامب ضحى بحياة مئات الآلاف من الأميركيين بطريقة تعامله مع كوفيد 19، ويقول بايدن إنه اتخذ قراره بالترشح للرئاسة عندما شعر أن هناك ضرورة وحالة طوارئ أخلاقية قيمية تستدعي إنقاذ أميركا من ترامب، وقد اتخذ بايدن قرار الترشيح بعد أن وصف ترامب بعض مجموعات العنصريين البيض أنهم “أولاد جيديون”، وبعد أن رأى طريقة تعامل ترامب مع أعمال العنف العرقية والعنصرية المؤسسية التي تعاني منها أميركا خاصة النظام الشرطي والقضائي. بالنسبة لبايدن، ترامب يشكل خطورة على منظومة قيم ومبادئ الأمة الأميركية، واعتداء على الدستور الذي يعلي من قيم الحرية والعدالة والمساواة.
ترامب، بالمقابل، يطرح نفسه كرئيس أفعال لا أقوال تنظيرية يبرع الديمقراطيون فيها، ويفاخر بنماء الاقتصاد وعافية مؤشراته بالرغم من كوفيد 19، ويصر على أنه لم يسمح للأطباء بالنيل من الاقتصاد الوطني. ترامب يقول إنه يقف بحزم لحماية المصالح الأميركية بالعالم فقد وقف بوجه الصين وإيران، وأجبر الحلفاء على أن يقدموا أكثر ويدفعوا أكثر لاستحقاقات الأمن الدولي، في حين يعارضه بذلك بايدن واصفا ترامب بصديق الدكتاتوريين وحليفهم أهمل أجندة حقوق الإنسان والديمقراطية ونشرها دوليا، وهي أحد أهم عناصر الأمن القومي الأميركي.
الخيارات صعبة أمام الناخبين، والشعب الأميركي يعاني من حالة استقطاب سياسية تقسيمية يتهم ترامب أنه أذكاها، وفرق المجتمع الأميركي وخلق حالة من الانقسام داخله. النخب والمحطات الإعلامية تدرك تاريخية هذه الانتخابات، وقد اختار العديد منها مغادرة الحياد الإعلامي المهم للتغطيات المقنعة، فبدت كثير من التغطيات الإعلامية ترويجية لمرشح بعينه. مؤسسات عريقة مثل نيويورك تايمز وسي ان ان تروج بلا هواده للمرشح الديمقراطي، في حين تفعل الشيء ذاته فوكس نيوز ووال ستريت جورنال للمرشح الجمهوري ترامب، وتقف الاسوشيتد برس في منتصف الطريق محافظة على حياد مهني إعلامي مرموق. شدة هذه الانتخابات واستثنائيتها جعلتا الوسائل الإعلامية تتخذ موقفا سياسيا وليس تحريريا، في مؤشر على أهمية وتاريخية هذه الانتخابات. نتائج الانتخابات يوم الثلاثاء المقبل ستحدثنا الكثير عن مستقبل التوجهات الأميركية، وإلى أي مدى ستنجح وتنجو القيم الأميركية التي طالما شكلت أحد أهم عوامل القوة الأميركية داخليا ودوليا.