كالنار في الهشيم انتشرت في اليومين الماضيين إشاعة منسوبة لخبر مفبرك بصحيفة سعودية مفاده أن الأموال التي قدمتها السعودية “قرض ومنحة” لتنفيذ مشروع تجديد الطريق الصحراوي والبالغة نحو 300 مليون دولار قد تم سرقتها من قبل المسؤولين الأردنيين.
صحيفة عكاظ السعودية التي نسب إليها الخبر، نفت بشكل قاطع أن تكون قد نشرت خبرا بهذا الخصوص. ولم يكن الأمر ليحتاج نفيا من الصحيفة لكي يدرك العاقل أن مثل هذا الصنف من الأخبار حتى لو كانت صحيحة لا تقدم صحيفة في السعودية على نشرها لاعتبارات لا تخفى على أحد.
ولو سلمنا جدلا أن وسيلة إعلام بصرف النظر عن هويتها تورطت بنشر خبر بهذا المضمون، دون التحقق من صحته، ألا تكفي الوقائع الماثلة أمام أعيننا لتكذبه؟ فالعمل بالطريق الصحراوي يمضي ويلاحظه آلاف المواطنين الذين يقطعون الطريق يوميا، ونسبة الإنجاز فيه يمكن تقديرها بالعين المجردة دون الحاجة لبيانات حكومية.
المؤسف أن جمهورا عريضا من رواد التواصل الاجتماعي تجاهلوا كل هذه الحقائق وتشبثوا بخبر مفبرك، وتناقلوه وتعاملوا معه بوصفه حقيقة ثابتة، لمجرد أنه منسوب لصحيفة سعودية، وأظن أنهم سيتخذون نفس الموقف حتى لو لم يكن منسوبا لمصدر إعلامي، رغم أن نسبة كبيرة من نشطاء وخبراء شبكات التواصل يدركون أن فبركة خبر ونسبه لوسيلة إعلام عريقة وذات مصداقية هو أمر بالغ السهولة من الناحية الفنية والتقنية.
وكثيرا ما تطالعنا شبكة الإنترنت بأخبار مزورة منسوبة كذبا لصحف عالمية عريقة، وعندما نعود لموقع الصحيفة الأصلي لا نجد ذكرا لها. لكن صانعي الأكاذيب يعولون دائما على كسل أو جهل المتصفحين بقواعد التحقق من صحة الأخبار، لتمرير الأخبار المزيفة، وتوزيعها على اوسع نطاق ممكن قبل اكتشاف حقيقتها.
والمفارقة أنه وبعد افتضاح أمرها تبقى متداولة ومحل تصديق من قبل جمهور غير قليل. وهذا ما حصل مع خبر أموال الصحراوي المسروقة، فبالرغم من مسارعة المنصة الحكومية “حقك تعرف” لتفنيد الخبر وتكذيبه بالأدلة، إلا أن كثيرين حافظوا على تمسكهم بالرواية الكاذبة، وتوزيعها عبر منصات التواصل.
تصديق الأكاذيب لا يعود دائما لغياب المعلومات أو تقصير المسؤولين في التواصل، ففي موضوع الصحراوي مثلا، يعرف القاصي والداني الآلية التي تم فيها طرح العطاءات وإنفاق أموال المنحة والقرض السعودي، ووجود رقابة ومتابعة دائمة من جانب الصندوق السعودي على صرف الدفعات للمقاولين، والتدقيق المستمر من قبل ديوان المحاسبة على جميع مراحل التنفيذ، لدرجة يغدو معها الكلام عن سرقات أمرا مستحيلا. وهذه الآلية تنطبق على مشاريع أخرى تنفذ بتمويل من المانحين العرب والدوليين.
حكوماتنا “العتيدة” تغضب كثيرا عندما تنشر وسائل الإعلام أخبارا تصفها بالسلبية، ودائما ما تحض وسائل الإعلام على نشر الأخبار الإيجابية التي تبعث على التفاؤل في الأوساط العامة، لكن الخطر في اعتقادي لا يكمن في هذا النوع من الأخبار، بل في الأخبار الكاذبة والمزيفة.
ليس مهما أن يكون الخبر سلبيا أو إيجابيا، الأهم أن يكون دقيقا وصحيحا، فذلك هو الطريق لمحاصرة الأخبار المزيفة التي تضرب سمعة المؤسسات والمسؤولين وتضعف الثقة بالدولة ومكانتها.