يقف الأردن، سياسيا، امام وضع حساس جدا، يرتبط بوضع الضفة الغربية والقدس، والتطورات التي جرت وتلك المتوقعة خلال الأيام القليلة المقبلة.
الأردن امام حدود إسرائيلية، اليوم، من شمال فلسطين المحتلة الى جنوبها، بعد الكلام عن ضم غور الأردن في الجانب الفلسطيني الى إسرائيل، وهذه المناطق تشكل ثلاثين بالمائة من مساحة الضفة الغربية، وهذا يعني ان الأردن امام خريطة سياسية جديدة، تجاوره فيها إسرائيل بكل ما تعنيه الكلمة، على صعيد الكلفة الأمنية والعسكرية والسياسية.
اعتراف إدارة الرئيس الأميركي بقانونية المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لم يكن غريبا، فهذا متوقع من الرئيس الحالي، الذي سبق ان اعترف بالقدس ذاتها عاصمة لإسرائيل، وأضاف الجولان أيضا الى التبعية الإسرائيلية، ولن يكون غريبا اعترافه بقانونية المستوطنات في الضفة الغربية، ولن تعترض ادارته لاحقا على ضم غور الأردن في الجهة الفلسطينية من هذا الغور، الممتد في فلسطين والأردن معا، ولن تعترض أيضا اذا قررت تل ابيب ضم الخليل، في توقيت لاحق، وهو امر متوقع.
كلفة ذلك على الفلسطينيين كبيرة جدا، فهي تعني نهاية مشروع الدولة الفلسطينية، كليا، فهي دولة على الورق، بلا قدس، ولا اغوار، ولا ضفة غربية مكتملة.
معنى الكلام ان الفلسطينيين اليوم امام نموذج خطير قائم على مبدأ التجمعات السكانية وادارتها امنيا، وعلى مستوى الخدمات البلدية، واي كلام عن استبدال لاحق على مستوى الأرض، بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، مجرد وهم كبير، وهذا يعني اننا اليوم امام سيناريوهات مفتوحة في الضفة الغربية، اذا كيف سترد سلطة أوسلو بغير التصريحات الإعلامية، والتسلح بتصريحات الأوروبيين، وعدم قانونية الإجراءات الإسرائيلية؟!.
الكلفة على الأردن، اكبر، اذ ان الأردن اليوم، امام وضع مختلف جغرافيا، اذا تم ضم غور الأردن، ومناطق شمال البحر الميت، اذ يصير الأردن، رسميا امام جوار إسرائيلي كامل، ولا توجد دولة فلسطينية عازلة ولو جزئيا بين الأردن وإسرائيل، كما ان الجانب الآخر للكلفة، يتعلق بسيناريو إدارة السكان الفلسطينيين، اذ لا مشروع لدولة اليوم، ولا يمكن ان يبقوا تحت مظلة سلطة وطنية فلسطينية.
يتنزل السؤال حول عما يمكن ان يلقاه الأردن في هذا الصدد، على صعيد أي دور مفروض، قد يتم طلبه من الأردن، لاحقا، على صعيد استيعاب نتائج قرار المستوطنات، وضم غور الأردن، بما يعني ان كل الاحتمالات مفتوحة، خصوصا، اذا جاءت واشنطن بتصورات جديدة، من اجل طي كل الملف الفلسطيني، عبر صيغ مشوهة يتم تحميل كلفتها على الأردن، وهو بهذا المعنى دفع كلفة أولى تحت عنوان الغاء حق عودة مواطنيه الحاليين.
المفارقة هنا ان الأردن لو قبل بأي صيغة لاحقة، فسيجد نفسه امام بقايا ضفة غربية، وقدس غير متوفرة، ووجود احتلال إسرائيلي يعزل بين الأردن والفلسطينيين، وهذا يعني ان احتمالات قبول الأردن لأي حلول او كلف، تبدو مستحيلة، لاستحالتها فنيا، فوق ان الأردن أعلن سياسيا انه لن يتورط في الأساس بأي صيغ وحدوية او حلول لا تقوم على أساس وجود دولة فلسطينية ناجزة ومكتملة وعاصمتها القدس وفقا للمنطوق الرسمي.
كل هذا يعني اننا امام المأزق الأكبر، فلا دولة فلسطينية، ولا حق عودة، والضغط الديموغرافي الفلسطيني بحاجة الى نافذة لتنفيس غضبه، والخارطة الجغرافية بين الأردن وفلسطين تعرضت الى تغيرات كبرى، خصوصا، على مستوى الحدود.
علينا ان نلاحظ ان كل هذه التطورات تجري فيما رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لم ينجح بتشكيل حكومته الجديدة، بل جاءت هذه الخطوات في توقيت حساس وفاصل، لوجوده السياسي، وبما يدعمه داخل إسرائيل وامام مواطنيه، لاعتبارات كثيرة، سواء بقرارات واشنطن، او تلك القرارات التي اتخذها هو او سيتخذها.
يبقى السؤال عن خيار الفلسطينيين المباشر، بعيدا عن كل الحسابات، في ظل الاستعصاء الحاصل، عزلة غزة من جهة، وشطب هوية المقاومة في الضفة الغربية، وفشل سلطة أوسلو في توليد دولة مقابل تسليمهم لثلاثة ارباع فلسطين لإسرائيل، ونحن هنا نتحدث عن الخيار الشعبي، في وجه السلطة أولا، وفي وجه إسرائيل ثانيا، بعد ان ثبت ان السلطة وإسرائيل وجهان لمشروع واحد، نرى نتائجه هذه الأيام؟!