ما الذي يجمع الأردن بالاتجاه الأوروبي على الصعيدين السياسي والاقتصادي؟ لا تسع هذه الأسطر الإجابة على تفاصيل الشراكة بين الجانبين والتي تمتد إلى أكثر من 40 عاما، وتغطي عددا كبيرا من المجالات. لكن هناك عناوين عامة لا بد من الإشارة إليها كونها تعكس أهمية كل طرف للآخر، وإيمان الاتحاد الأوروبي بالدور المحوري للمملكة في المنطقة.
جميع الأرقام تشير إلى أن الاتحاد الأوروبي أحد الداعمين الرئيسيين للأردن، وقد كان ذلك جليا على سبيل المثال خلال جائحة كورونا، حيث عمد إلى تمويل وصول اللقاحات من خلال منصة كوفاكس (وصول 144 ألف جرعة في آذار 2021)، كذلك من خلال تأمين أكثر من 840 مليون يورو من المساعدات للأردن منذ بدء الجائحة.
كما تتضمن المساعدات حزمة جديدة من خلال الصندوق الائتماني الخاص بالجائحة، ما سيوفر أجهزة تنفس اصطناعي ومعدات الوقاية الشخصية. كما دعم مشروع الصحة العامة التابع لمكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع من خلال تقديم منحة لتجهيز 3 مستشفيات بالمعدات الطبية اللازمة. الاتحاد الأوروبي يصنف الأردن، أيضا، على أنه شريك وحليف ذو ثقة، ويدرك الظروف الصعبة التي يمر بها، خاصة أنه يتحمل عبء أزمة اللاجئين على مدار سنوات طويلة، لذلك نظم خمس جولات من المؤتمرات من أجل سورية، كان أحدثها مؤتمر بروكسل 5، ناهيك عن الدعم المستمر، سواء ماليا أو سياسيا. منذ بداية الأزمة السورية، تصدر الاتحاد الأوروبي قائمة الدول التي تدعم الأردن للتعامل مع تبعات الأزمة، حيث قدم 2.1 مليار يورو ( 812 مليون يورو مساعدات ثنائية، و360 مليون يورو مساعدات إنسانية، و959 مليون يورو لتعزيز المنعة الاقتصادية).
على الصعيد الاقتصادي، يشهد العام المقبل مرور عقد على توقيع الأردن والاتحاد الأوروبي على اتفاقية الشراكة الأردنية الأوروبية، ومنذ ذلك الحين عزز الطرفان علاقاتهما الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وتقوم على هذه الشراكة مؤسسات عديدة معنية بالتصدي للتحديات الحالية والمستقبلية، بخاصة خلال مرحلة ما بعد جائحة كورونا التي تحتاج للمزيد من التعاون والريادة.
تجاريا، سهل الاتحاد الأوروبي العديد من المشاريع، بعضها ما يزال قيد التأسيس، في قطاعات الريادة، والتعليم، والطاقة، والشباب، وتطوير البنية التحتية، وبناء القدرات. العام الحالي يهدف إلى تحقيق منعطف جديد في الشراكة في العديد من القطاعات.بالعودة إلى العام 2019 فقد قاد الاتحاد الأوروبي بعثة رفيعة المستوى للأردن بمشاركة بنك الاستثمار الأوروبي، والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، وصندوق النقد الدولي، ومجموعة البنك الدولي، إضافة إلى مؤسسات فرنسية وألمانية وبريطانية، لتأكيد الدعم الدولي وتحديد المناطق الرئيسة لإجراء إصلاحات هيكلية واستثمارات.
أما على الصعيد السياسي، فيؤمن الاتحاد الأوروبي بالدور الأساسي الذي يلعبه الأردن في استقرار المنطقة، وأن عمان شريك مهم وأساسي في عملية السلام في الشرق الأوسط. هناك اتفاق بين الأردن والاتحاد الأوروبي على أن حل الدولتين هو الحل الوحيد لتحقيق سلام عادل في المنطقة.
إن دول الاتحاد، تصغي دائما، وباهتمام، لرؤية الملك حول المنطقة وتحدياتها، وجلالته تحدث أمام البرلمان الأوروبي في عدّة مناسبات، وهو يحظى باحترام أعضاء البرلمان الأوروبي الذين يتطللعون لخطاباته الملهمة.
وفي سياق الشراكة، فالأردن من الدّول التي تحظى بشراكة متقدمة مع منظمة حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وهو الدولة العربية الوحيدة ضمن هذا التصنيف. كما أنّه جزء من مجموعة الناتو للحوار المتوسطي، وقد عزّز الحلف والأردن التعاون بينهما من خلال التوقيع على اتفاق مشترك لبناء القدرات العسكرية، والذي بموجبه يتم العمل على رفع قدرات القوّات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، بخاصة في أوقات تنشط فيها المجموعات الإرهابية (داعش).
الملك عاد من بروكسل أمس، بعد زيارة التقى خلالها العاهل البلجيكي ورئيسي المجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية، واجتمع مع الأمين العام للناتو. زيارة تؤكد على عمق التعاون والعلاقات المتجذرة التي تربط الأردن مع الاتحاد الأوروبي ومع “الناتو”، بحسب ما أكده مسؤولان أوروبيان أمس. إنها زيارة لها ما بعدها، أو كما صرح جلالة الملك أمس: “المستقبل سيحمل الأفضل لعلاقة الأردن والناتو”، وبالتأكيد الأفضل لعلاقة الأردن والاتحاد الأوروبي.