رفعت مؤسسة فيتش العالمية تصنيف الأردن المستقبلي الائتماني من سلبي الى مستقر. هذا التحسن المهم على التوقعات بشأن المالية العامة وقدرة الاقتصاد الوطني، تأتى بعد إكمال المراجعة الثالثة مع صندوق النقد الدولي بنجاح، الذي بدوره قدم شهادة متميزة بالإصلاحات الهيكلية في الأردن، والتي برأي الصندوق زادت من منعة اقتصادنا وبالتالي ثقة العالم والمستثمرين به.
هذا إنجاز محترم يستحق أن نرفع له القبعة، والعالمون ببواطن الأمور، والمتابعون للشأن الاقتصادي، وحتى السياسي، يدركون تماما أهمية هذا الإنجاز الأردني، في ضوء الصعوبات الاقتصادية التي نواجهها ويواجهها العالم بأسره. هذا التقدم الأردني على مؤشر فيتش العالمي هو الثالث في أقل من أسبوعين، بعد تقدمنا في مؤشرات مكافحة الفساد ومؤشر الدول الأكثر أمانا، بالمرتبتين الأولى والثانية عربيا بالتتابع.
لم يأخذ التقدم على هذا المؤشر الائتماني حقه من الاحتفاء الوطني، تماما كما حدث مع تقدمنا بالمؤشرات السابقة، فأبواق السلبية وبث الإحباط هي المتسيدة، وتلك لا تريد ولا ترى الجانب المشرق من البلد، بل تكافحه، فذاك يتعارض تماما مع نهجها في بث السواد والإحباط، بهدف تشكيل البيئة التي يترعرع بها طلاب الشعبوية الهدامة، وجنرالات السوشال ميديا المضللون.
لقد تحقق الإنجاز الأردني الكبير لأسباب عدة، منها تقدمنا الناجح والمتميز بتطوير أداء ضريبة الدخل والمبيعات خصوصا والمالية العامة بالعموم، لا سيما جهود مكافحة التهرب الضريبي وتحسين التحصيل، بعد أن برع البعض في التهرب والتجنب الضريبي. وصل الأمر بالمتهربين ضريبيا لتهديد حياة القائمين على هذه الإصلاحات الهيكلية المهمة، لذا سيذكر لهم التاريخ جهودهم الوطنية المحترمة والتاريخية.
أما ثاني الأسباب فمرتبط مباشرة بمصداقية برنامج إصلاحنا المالي والهيكلي وثباته عبر الحكومات، وتحقيقه المؤشرات كافة المتفق عليها رغم كل الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد الوطني.
برنامج إصلاحنا حصل على مصداقية عالمية لأن الأردن التزم به حتى مع تغيير الحكومات، فكانت الحصيلة رفع التوقعات العالمية بشأن مستقبل الاقتصاد، واستقرار المالية العامة، ما يؤسس لانطلاقة اقتصادية تنموية مستدامة، تتأتى عن طريق جلب الاستثمار الذي من أهم عوامل جلبه الاستقرار المالي والاقتصادي، والتوقعات بتصنيفات ائتمانية آمنة. ثقة المستثمرين سبب ونتيجة لهذا التقدم الذي تحقق، والأرجح أن هذا سينعكس على جلب مزيد من الاستثمارات المحفزة للنمو.
برنامج الإصلاحات المالية في الأردن ناجح يحقق أهدافه، وقد جنب الأردن منزلقات نراها في لبنان والعراق الشقيقين. كم أتمنى أن يكون لدينا برامج شبيهة للقطاعات كافة، تكون مدروسة ومتفق على نتائجها، والأهم، أن تكون مراقبة ومتابعة وطنيا ودوليا حتى يتحقق الالتزام بها.
نحن بحاجة ماسة لبرامج إصلاح قطاعية على غرار برنامج الإصلاح المالي، تكون عابرة للحكومات، لا تتغير بتغير مزاج المسؤول والبحث عن الشعبوية. هذا ممكن وليس مستحيلا، وقد كان لدينا بالفعل استراتيجيات مياه وطاقة وغيرهما في غاية الأهمية والدقة والعلمية، ولكنها راحت ضحية العبث والشعبويات الزائفة الهادمة، ولو أن تلك الاستراتيجات استمرت لكان حال هذه القطاعات أفضل. هذا تحد وطني يجب أن نتعامل معه بجدية ومؤسسية، لأن البلد أكبر من كل شعبويات المسؤولين المرتجفين.