تأثرت الأجواء داخل وخارج اللجنة الملكية للتحديث السياسي بنتائج الانتخابات المغربية ولو بصورة غير مباشرة. ولأول مرّة في خلفية المشهد لم يكن الخوف من الإسلاميين يمد ظلاله الثقيلة على كل فكرة للإصلاح والتحديث السياسي.
الاصلاح الديمقراطي في الأردن يفتح ذراعيه لجبهة العمل الإسلامي قائلا أهلا وسهلا بكم على خطى المثال المغربي، أي اعتماد برنامج عمل حكومي ضمن الثوابت المعروفة للنظام السياسي والدولة المدنية الديمقراطية التعددية، والقطيعة النهائية مع المشروع الشمولي و»أسلمة» الدولة. ويمكن ان نتحرر اخيرا من خطاب المظلومية وقاعدة الاستثناء السياسي.
والحقيقة أنه رغم الشكوك بأن التخوف من الاخوان لم يكن إلا فزّاعة لتفادي استحقاقات الديمقراطية، ورغم الخطاب التطميني المتصل من الإخوان فإن تاريخهم في كل المنطقة كان يزكي المخاوف فحيثما قويت شوكتهم ووصلوا الى السلطة أقامو نظاما شموليا مستبدا لا عودة فيه للوراء وقد مشوا كل مرّة على خطى نفس الأنظمة العسكرية التي قمعتهم. وفي المناسبتين الفريدتين للوصول الى السلطة عبر صناديق الاقتراع فشلوا في ردع انفسهم عن إغواء التفرد بالسلطة وأسلمة الدولة. ففي الجزائر (26 كانون الأول 1991) ومباشرة بعد نصرها الساحق في الجولة الأولى للإنتخابات التشريعية اعلنت جبهة الانقاذ نيتها اقامة نظام اسلامي نهائي بديلا للديمقراطية فانقلب العسكر على الانتخابات ودخلت البلاد في حقبة الارهاب والمجازر المروعة لعشر سنوات. وبعد عقدين في مصر حمل الربيع العربي الاخوان الى السلطة فتنكروا لشركاء الثورة وبدأوا برنامج السيطرة على المؤسسات والأخطر كان التحلل من شروط التوافق على الدستور الذي سيحكم مصر لأجيال قادمة مما برر للعسكر وعلى وقع احتجاجات شعبية الانقلاب على الإخوان وبقية القصة معروفة.
التجربة التونسية بقيت تحت المجهر تثير الخوف حينا والأمل احيانا وهي الآن تمرّ في عنق الزجاجة مع ما قام به بن سعيد لكن المرجح ان يعاد هيكلة المشهد الداخلي لمواصلة مسيرة الديمقراطية وحزب النهضة جزء اصيل منها. أما الخبر اليقين فقد جاء من المغرب حيث مر أكبر حزب اسلامي بالامتحان كاملا من استلام الحكومة وتسييرها لدورتين انتخابيتين ثم تسليمها بقرار من صناديق الاقتراع. هكذا قضي الأمر ودخل الاسلاميون لأول مرة في حالة تطبيع كاملة مع الديمقراطية والتعددية ولمنع كل شك أو تشكيك كان حكم الصناديق قاصما بتخفيض حصة الحزب الحاكم بنسبة 90% من الأصوات.
جبهة العمل الاسلامي كانت راضية عن مخرجات اللجنة الملكية وبالكاد تحفظ ممثلوها على هذه النقطة أو تلك. والحق أن ميزان اللجنة الملكية وضع وراء ظهره والى حدّ معقول المقاييس القديمة. فالعتبة العالية للقوائم الحزبية تخدم قطعا حزبا كبيرا مثل جبهة العمل لكنها تخدم ايضا تقليل التفتت وتوحد القوى الأخرى في احزاب كبيرة. أما نظام اعلى البواقي (على غرار انتخابات 2013 للقوائم الوطنية) فهو يخدم القوائم الصغيرة ولذلك وقفت الأحزاب القومية واليسارية ضد العتبة ومع نظام اعلى البواقي بينما وقفت جبهة العمل مع العتبة وضد اعلى البواقي، أما القانون فقد جمع بين الاثنين متجاوزا حسابات اي من الطرفين آخذا ما يخدم التطوير السياسي والحزبي كمعيار أوحد.
وحين كان النقاش محتدما حول هذه التفاصيل جاءت الانتخابات المغربية بالدرس الفريد وفي الوقت المناسب: لا يجوز للخوف من جهة بعينها ان يحكم التشريع خصوصا اذا كان قد ضبط المشهد الكلي للمنافسة السياسية تحت سقف الدستور وفي اطار الثوابت التي تقوم عليها الدولة الحديثة.