مثلا؛ لو تحدثنا عن الدكتور وجيه عويس، وزير الوزارتين المختصتين بالتعليم بمستوييه، لقلنا بأن الرجل لديه على الأقل رؤية بمستقبل التعليم، علاوة على معرفته للمعلومة ومواكبته للحدث التعليمي، وذلك سواء اتفقنا مع رؤيته أم اختلفنا، فالرجل بيت خبره، ويمكنه التحدث عن التعليم العالي ومشاكله وتحدياته، ولعلنا نلاحظ ما تناقلته وسائل الإعلام قبل يومين، بالنسبة للتعليم الموازي في الجامعات، وهو المصطلح الذي غاب عن وسائل الإعلام منذ سنوات، علما أن آخر الأحلديث الجادة عنه، كان في عهد الوزير السابق الدكتور عادل الطويسي، وكنا نعلم ونفهم بأن لدى الحكومة خطتها للتخلي عن التعليم الموازي في الجامعات، ما دامت لم تتوسع، وهي لن تتوسع بالطبع، لأسباب اقتصادية تواجه الدولة، وهي نفسها الأسباب المادية التي تواجه الجامعات الحكومية، والتي لا نتحدث عنها الا تحت عنوان مديونية الجامعات، فلا يلوح بالأفق أمل لتقليص نسبة التعليم الموازي للأسباب المالية الجاثمة على صدرها.
المثال عن وجيه عويس يكفي للتفريق بين وزير لديه رؤية وخطة، يعمل ويفكر في إدارة القطاع المسؤول عنه وفق تلك الرؤية أو الخطة، فهو لا يعمل أو يفكر بالمياومة، وردود الفعل، رغم أن الحكومات كلها قد تتخلى أو تؤجل برامجها المعلنة، رضوخا للمستجدات والظروف الكثيرة.
النموذج الثاني في هذه الحكومة، الذي يعمل وفق رؤية وقناعة وخطة، هو وزير الزراعة المهندس خالد الحنيفات، وبالتأكيد يوجد وزراء غيره يديرون وزاراتهم ضمن خطط، لكنني عاصرت عمل الوزير الحنيفات خلال وزارته الأولى، وأتابعه جيدا في وزارته الحالية، وأدرك تماما بأن القطاع حقق مكاسب وتطورا جذريا في وزارة الحنيفات الأولى قبل سنوات، لكنه تراجع ثانية بعد خروجه، وقد كتبت في هذه النقطة مقالات كثيرة، وذكرت القراء والمتابعين بهذه التغييرات حين عاد الحنيفات وزيرا في الحكومة الحالية، ومنذ يومه الأول هو يعمل على إعادة إحياء خطته المعروفة، واستجابة لوضع القطاع والدولة والحكومة، طرح الجزء الأكبر من هذه الخطة من خلال بعض الأولويات، التي حددها، لتدارك بعض الانهيارات الطارئة، ومن بين هذه الأولويات مثلا: دعم مدخلات الانتاج، ومثال عليها البذور والأدوية الزراعية، وقد عمل الرجل على مشاريع لإنتاج البذور عن طريق المزارع والمستثمر الأردني، من خلال تطوير على أداء مؤسسة الاقراض الزراعي، فأثمان البذور المستوردة مرتفعة جدا، وتوفيرها للانتاج المحلي يحقن نزيف الانفاق على استيرادها من الخارج، مما ينعكس على الانتاج المحلي، كما يفتح آفاقا أخرى لتصديرها والاستثمار فيها، ومثلها الأدوية البيطرية والأدوية المستخدمة لمكافحة الأوبئة فهي من مدخلات الانتاج المهمة، وفاتورتها مرتفعة جدا على المزارع، مقارنة بسعرها في الاسواق الخارجية.. وهذا نموذج مما تنطوي عليه الخطة التي يعتمدها وزير الزراعة الحنيفات، في إدارة شؤون هذا القطاع الحيوي الأهم بالنسبة للناس وللدولة.
كلنا يفهم تماما أن التفكير والادارة بالمياومة وبشراء الوقت لا تحقق انجازا ولا توفر حلا حاسما لأزمة أو ظرف غارق بالتحديات.