إذا كنت صاحب مشروع ولديك رغبة في الاستثمار في مصر أو تركيا أو أي من البلدان التي تهتم بالاستثمار فما عليك إلا مقابلة جهة واحدة «المحافظ أو غيره» وستحصل على كل التسهيلات والحوافز وقد لا تواجه أي معوقات لا يمكن حلها ميدانيا وبسرعة مذهلة . هناك توجد نافذة استثمارية واحدة ولدينا في الأردن نافذة لكنها ليست نافذة على حد تعبير معالي وزير العمل ووزير الدولة لشؤون الاستثمار فلماذا بقيت كذلك ؟ ولماذا يحتاج المستثمر إلى عشرات التواقيع وموافقة عشرات الجهات والانتظار إلى ما لا نهاية؟ ولماذا تأخرنا عن دول الإقليم في جذب وتشجيع الاستثمار ؟ وهل يمكن أن ننهض مرة أخرى ؟ وهل بمقدور الوزير الحالم أن يؤسس بيئة جديدة تساعد الاردن على تخطي أسباب التأخر وتحد من كل الممارسات التي طفشت الاستثمار وأحبطت المستثمرين ؟ كل هذه التساؤلات تحتاج إلى تفكير وروية وكل ما نتمنى أن يكتب للوزير القطامين التوفيق في مسعاه وللأردن النجاح في كل ما وضعت من اهداف وتطلعات.
في بلدنا كان الاستثمار ولا يزال الأمل والرجاء .. بنينا عليه التوقعات وأسسنا له المجالس واللجان وعقدنا لجذبه المؤتمرات والمباحثات والاتفاقيات . في كل لقاء وفعالية سياسية أو اقتصادية أو بروتوكولية يكون الاستثمار حاضرا وفي كل زيارة رسمية أو اجتماع تصدر البيانات التي تتحدث عن الاستثمار وفرصه وخطط تشجيعه واستقطابه.
بعد كل هذه الأعوام لا يمكن حصر الأدبيات والتصريحات والتقارير والوعود التي تحدثت عن الاستثمار ولا أعرف عدد الخبراء الذين كسبوا خبراتهم في الأردن وانتقلوا إلى دول إقليمية ومؤسسات دولية باعتبارهم أصحاب وصفات مجربة قدمت لتطوير وتشجيع وتوسع دائرة الاستثمار في بلدنا دون أن يجري لأعمالهم ومنجزاتهم أي تقييم ودون أن يخضع أي منهم للمساءلة. الحقيقة الثابتة أن الناس لم يلمسوا آثارا تذكر لما جرى الحديث عنه فلا يزال حجم الاستثمار متواضعا وتأثيره محدودا وتجربة بعض من قدموا تصورات لمشروعات ريادية موجعة وغير مشجعة.
خارج دوائر المشتغلين بخدمة الاستثمار والقائمين على مؤسسات تشجيعه يتحدث الناس همسا ووشوشة عن معضلات وعوائق أحبطت المستثمرين ودفعت بهم إلى التخلي عن أفكارهم ومشاريعهم أو إغلاق مصالحهم والهجرة إلى بلدان عربية وغير عربية مجاورة. في المجالس وبين المطلعين هناك العشرات من الروايات والقصص التي تتحدث عن ممارسات بيروقراطية معطلة وتداخلات وقرارات يصعب فهمها ومعادلات ووصفات لا يفهمها المستثمر ولا يستطيع الموظف تركيبها أو التعاطي معها. التداخلات المزمنة في ملف الاستثمار كانت موضوعا للحديث المصور الذي أدلى به الدكتور معن القطامين وزير الدولة لشؤون الاستثمار – وزير العمل . في الكثير مما ورد على لسان الوزير تفسير واضح لأسباب التعثر والتأخر والخلل وتأسيس لقاعدة علمية شفافة للتعامل مع هذا الملف واعطائه الأهمية التي يستحق على قائمة الأولويات التي تنهض بها الحكومات الأردنية . المشكلة الكبرى التي لم يشر لها الوزير تتعلق بأسلوب إدارة الملف وغياب التسهيلات الفعلية وتداخل التوجهات والآراء والأحكام في منح التراخيص والموافقات. وتداخل السياسي مع الامني والمحاسبي مع الاقتصادي والخاص مع العام وغيرها من العوامل التي أعاقت الاستثمار وحدت من فرص نموه واتساع رقعته وتنوعه.
غياب الرؤية الواضحة للاستثمار وما نريده منه كان أبرز وأهم العوامل التي اثرت في كل السياسات والتشريعات والإجراءات الإدارية التي اتخذتها الحكومة وأجهزتها حيال الاستثمار. في بلد محدود الموارد ومثقل بالأعباء لا يوجد طريقة لتحقيق النمو غير الاستثمار وعليه فمن الصعب النظر للاستثمار نظرة محاسبية تتعلق بما يمكن ان يعود به الاستثمار على الموازنة دون التفكير بالسياسات والإجراءات التي تشجع توسع الاستثمارات بشكل يحقق النمو ويولد فرص الأعمال ويؤثر إيجابا على الصادرات والدخل وفرص الأعمال والإيرادات الحكومية.
التشخيص الذي قدمه الوزير لواقع الاستثمار في الأردن يبعث على الحزن والأسف ويستدعي المزيد من البحث عن الأسباب والعوامل التي تسببت في هذه الإعاقة . ليس المهم توصيف الواقع المرير الذي تحدث عنه الوزير بل المهم التعرف إلى الأشخاص والجهات التي أعاقت الوصول إلى نتائج أفضل في هذا الملف الحيوي الذي علق الأردنيون آمالا كبيرة على ما سيتحقق منه وبثت حوله الكثير من الأوهام والادعاءات التي جعلت بعضهم يعتقد أن الأردن قد اصبح قبلة للمستثمر.
في العرض الواضح الذي تقدم به الوزير قائمة من العلل والمشكلات التي يستغرب المتابع استمرار وجودها لسنوات وحرمان البلاد من فرص أفضل للنمو والعمل والازدهار. فإلى جانب غياب الرؤية الواضحة للاستثمار وضعف الحوافز المقدمة للمستثمر وصعوبة ممارسة أنشطة الأعمال وتردي مستوى حماية المستثمرين وصعوبة الحصول على ترخيص بناء، اشتمل العرض على اثنتي عشرة علة اخرى تحتاج جميعها إلى معالجة فورية واضحة وشفافة وحازمة دون إبطاء أو تململ.