ليس الاستقلال مناسبة تمر دون أن نحتفي بها على طريقتنا الأردنية، وهي أن نستحضر معاني وروحية الاستقلال، وعزيمة البناة من الرعيل الأول، وأن نقف على الإنجازات والتحديات والإخفاقات، وننظر بها بعين النقد الذاتي التي تريد أن تتعلم وتتطور، وأن يتم هذا كله ونحن مفعمون بالأمل والطموح والعزيمة. الاستقلال بالنسبة لنا محطة مهمة للمراجعة والعمل، واستحضار القيم الأردنية التي بنت وطنا عظيما شامخا رغم كل التحديات ورغم قلة الموارد، فصمد الأردن في إقليم تداعت فيه الدول واضمحلت، وسالت الدماء وانهدم العمران، صمد وأي صمود ذاك... فقد بات موئل الأحرار وقبلة الخائفين الهاربين من البطش والظلم والحروب، ينشدون الأردن الذي فيه من الخير والكرامة ما يتسع للجميع، أهله وقيادته وجيشه، يؤمنون الخائف وينصرون المستضعف ويتقاسمون رغيفهم مع من دق بابهم.
تزداد معاني الفخر الوطني لتزامن الاستقلال مع زفاف ولي العهد المعظم ملك الأردن المقبل، ابن الملك عبدالله الثاني المعظم وعضيده وقرة عينه، سليل الهواشم ووريث ثاني أقدم عائلة ملكية بالعالم، قدموا لأمتهم الخير والقدوة، وذادوا عن مبادئ الأمة وأرضها وعرضها، ملوك ما حكموا يوما بالدماء، بل بالحكمة والشورى والموعظة الحسنة، ما صدوا طالب حاجة، وما قصروا مع ضعيف أو فقير، هشموا الخبز وصنعوا الثريد لحجاج البيت العتيق... هذا ما ورثه الملك عبدالله وابنه الحسين، إرث كبير عظيم منذ حكم علي كرم الله وجهه. ولهذا كله، ولأنهم بنوا بلدا تمتلئ صدورنا فخرا به، نحبهم ونجلهم ونخوض معهم غمار التحديات، نعضدهم ونحمي ظهورهم، هم كبارنا ويا فخرنا بكبارنا.
في أيام الاستقلال والفرح الأردني، ترى المعنويات وقد ارتفعت، والهمة وحب الوطن في أبهى صوره، وترانا ننظر لبلدنا بعين الحب والرضا، نراه كما هو على حقيقته، بلد كريم عظيم حان على أبنائه وعلى الغرباء، وبالرغم من التحديات الكبيرة التي يواجهها، تراه يستمر بالعمل والمواظبة، للذهاب للأفق الأوسع، يطمح للوصول لأعالي القمم. هذه الأجواء تأتي على نقيض ما يريده الذين امتهنوا بث السواد والفتنة والسلبية، يخرجون علينا دوما ليقولوا لنا إن بلدنا ليس بخير، تجاوزوا حدود النقد المشروع والمسموح في الأردن، ليطعنوا في يقين الأردنيين أن بلدهم ليس بخير، هم يريدون خلق بيئة إحباط لأن في هكذا بيئة ينمون ويترعرعون، يقولون للناس الدنيا خراب ونحن المخلصون والحل لكل مشاكلكم، إنهم انتهازيون مشككون، لا يمارسون النقد المطلوب والمشروع، بل الضرب في صورة الوطن في أذهان أبنائه. لم ينجح هؤلاء ولن ينجحوا، فالأردنيون أوعى وأكبر من أن ينساقوا خلفهم، يزداد وعيهم بمآرب هؤلاء، يعلمون أنهم لا يضمرون خيرا ولا يمارسون المعارضة كما يجب أن تكون، بل يمتطون موجات السواد والتشكيك. لا منصف ولا موضوعي من لا يرى هذا البلد بشكله الحق؛ أردن كبير عظيم شامخ يطاول أبناؤه به عنان الغيوم، يجمعهم كلهم من شتى مشاربهم وقد توحدوا على خدمته ورفعته وسموه.