هي مناسبة للتذكير بأن الديمقراطية “لعبة” تخضع في نهاية المطاف لحكم القانون. أسوأ ما يحصل في الديمقراطيات الناشئة هو سلوك النخب السياسية الذي يفتقر للتقاليد، والتصرف باعتبار مكاسب الديمقراطية غنيمة.
بهذا المعنى يصبح المقعد النيابي وسيلة للتعدي على سلطة القانون، والقوة النقابية أداة استقواء على الدولة ومؤسساتها.
في الأشهر الأخيرة من حياة بلادنا عشنا تمرينا بالذخيرة الحية على أصول تطبيق القانون، كان كل يوم في حياتنا محكوما بسلسلة من التعليمات والتدابير وأوامر الدفاع، لم نشهد هذا على مدار عقود طويلة، ولذلك واجهنا إشكاليات عميقة في الامتثال، على مستوى الأفراد والجماعات.
حتى بالنسبة للسلطات المنوط بها تطبيق القانون، بدا الأمر غير مسبوق، لأنها لم تعتد على ممارسة سلطة القانون بشكل يومي ودائم، والخضوع للمساءلة.
السياسيون الكبار كانوا مصدومين من سلوك الدولة ورغبتها الجامحة في تطبيق القانون. في أشهر الجائحة كذلك عانى الكثير ممن عاشوا بامتيازات تفضيلية من الالتزام بتعليمات الحظر ومنع التجول، وتفاجؤوا عندما خضع بعضهم للمحاسبة على كسر التعليمات أو تزوير التصاريح، وبعد ذلك كنا في مواجهة لم نعهد مثلها عنوانها سلطة القانون لتحصيل حقوق الدولة والخزينة ومكافحة التهرب الضريبي والجمركي، وملاحقة الاعتداءات على المال العام.
محصلة الحراك الأردني في الأشهر الأخيرة عنوانه تلازم الديمقراطية وسلطة القانون، وأي تفسير آخر يجنح لفهم قاصر للديمقراطية فيعتبر ما يحصل تغولا من الدولة او نكوصا عن المسار الديمقراطي.
يمكن لهذا الفهم المغلوط أن يسود في أوساط بعض النخب في المرحلة المقبلة، لكن ينبغي التحرك سريعا لتفنيده، وتأكيد التزام الدولة بنهج الحكم القائم، بالطبع ذلك يعتمد على مدى التزام كافة أطراف المعادلة بقوانين اللعبة، وإلا فإن المؤسسة الرسمية ستضطر لفرض القانون أولا وقبل الديمقراطية.
في هذا الصدد يتعين التفكير بإعلان سريع عن موعد إجراء الانتخابات النيابية، وتلك فرصة جديدة ومهمة لتأكيد سيادة القانون عن طريق محاربة المال الانتخابي، وتهيئة الظروف لولادة برلمان يؤمن بدولة القانون، ونيابة نظيفة منزهة عن الشبهات.
وفي السياق نفسه يجب السماح للنقابات المهنية التي تعطلت انتخاباتها بسبب جائحة كورونا بتنظيم انتخابات في أقرب وقت ممكن، واستعادة المسار الديمقراطي المعطل في أعرق مؤسسات الدولة الأردنية.
التطورات الجارية حاليا فرصة لتصويب المسار وتعلم الدروس الصحيحة من تجاربنا السابقة. لم يعد ممكنا العودة للخلف، وإعادة انتاج الديمقراطية بنفس الأدوات وإلا سنحصل على نفس النتائج.
الأردن في وضع استثنائي على المستويين الداخلي والخارجي ويحتاج لمؤسسات قوية، تضمن الاجماع الوطني المطلوب على الثوابت، وتدير بحرفية الخلافات المشروعة حول أولويات المرحلة ومتطلباتها.
باختصار هناك حاجة ماسة لنخبة جديدة تؤمن بالدولة القوية وبالديمقراطية دون تساهل على حساب هيبة المؤسسات، أو امتهان لحقوق الشعب.
الرد على الاتهامات المشبوهة يكون بالتقدم للأمام.