الوسط الإعلامي الأردني يحظى بتقدير عربي وعالمي كبيرين بالرغم من أنه لا يعمل بكامل قدرته وإمكاناته. الخصوصية الثقافية الأردنية وأبعاد الهوية حملتهما الإذاعة الأردنية أولا ولحق بها التلفزيون في نهاية الستينيات من القرن الماضي. الصحافة الورقية وعلى أهميتها لعبت أدوار محدودة بالرغم من تعدد منابرها ونبوغ كتّابها وإداراتها.
بعد عقود من الإبداع والتأثير خسر الإعلام المحلي الكثير من الألق والجاذبية اللتين لازما نشأته ونهوضه، وخفت الوهجُ الذي أدخله صلاح أبو زيد ومحمد كمال وجسّده نجوم الثقافة والترفيه والاستقصاء الصحفي الذي حمل مشاعله عمر الخطيب ومحمد أمين سقف الحيط وغيرهم.
الحالة الجديدة للإعلام الأردني بقيت موضع نقد وشكوى وتقييم دون إحداث تغيير جوهري في واقع هذه المؤسسات أو إعادة بناء هياكلها وأساليب العمل فيها. أحد الأسباب التي أعاقت التغيير وحدّت من أثر المحاولات التي تتجدد على استحياء بين وقت وآخر يتعلق بوجود العديد من الأيدي والقوى ومراكز النفوذ المتشابكة في سلة الإعلام. فقد دخل الجميع في علاقات يصعب تفكيكها أيا كانت المعلومات والمصادر والمنهجية التي يمكن اتباعها.
مع زيادة الطلب وإغراءات السوق الخارجي تقلص مستوى الأداء للمحطات المحلية، وأدير العديد منها من قبل أشخاص اختيروا لأسباب تتعلق بميولهم ومستوى انسجامهم مع القوى النافذة أكثر من مراعاة اختصاصهم ومهنيتهم وأدائهم. القرارات الإدارية المتحيزة والموجهة جهويا وأيديولوجيا وقبليا تعصف بالمؤسسات وتلحق الكثير من الضرر بالروح المعنوية للعاملين وتشل الكفاءات القادرة على الأداء المهني المتميز.
الإعلام الأردني اليوم يحظى بفرصة جديدة لكي يبني الروح المعنوية للعاملين ويستعيد الثقة.. فهل ينجح؟ في متابعة ما يجري على الشاشة الرسمية والصحف والمحطات الإذاعية يبدو أن الأمر يحتاج إلى أكثر من الأماني والدعوات. ففي كل مرة تتأمل المشهد تفقد الأمل وتخفض التوقع وترجو من الله أن يحاول أصحاب القرار مرة أخرى.
حتى اليوم لا يشعر المشاهد بوجود محتوى معد باحترافية ويحمل رسالة تليق بالذائقة العامة، فالكثير مما يقدم يحمل أخطاء يصعب تجاهلها أو يشير إلى أولوية خدمة المقدمين والإبقاء عليهم على حساب المشاهد. استمرار التقليل من أهمية الرأي العام والاستخفاف الواضح بعقول وأذواق المتلقين لا يبشران بإمكانية نجاح الإعلام في استثمار الواقع الجديد لبناء الثقة وكسب الدعم الذي تحتاج له.
الأداء الجميل لعشرات المحطات الإذاعية والتلفزيونية خلال بداية أزمة الكورونا حمل آمالا كبيرة بالنهوض المهني تحت وقع المنافسة وغياب الظروف التي جعلت الإعلام يقع بين سندانة الحكومات ومطرقة الشارع.
من الصعب النجاح لأي مؤسسة إعلامية لا تعمل ضمن إستراتيجيةٍ واضحة تعرف المصالح العليا للدولة والمواد الإعلامية الملائمة لبناء الثقة وكسب التأييد، ودليلٍ مهني يوجّه عمليات التخطيط والبرمجة والإعداد ويقيّم الأداء بوجود إدارة كفؤة يحترمها الجميع ويقرون بمهنيتها لأنها تعرف معنى الإعلام ورسالته وأهدافه وتقدم فرصا متكافئة للعاملين بعيدا عن الشللية والجهوية والاسترضاء.
بغير ذلك فلا قيمة مضافة لوجود هذه المؤسسات إلا في تحمل اللوم والنقد الذي ينهال عليها من وقت لآخر بسبب قرارات خاطئة اتخذت في غير مكانها ولا وقتها.