لماذا لا تتعامل الحكومة مع الأردنيين بمنطق المصارحة والمكاشفة؟ الإجابة تلقائيا لأنها لا تثق بهم. استطلاعات الرأي تتعمد ربما عدم الإشارة لذلك فهي غالبا ما تطرح سؤال الثقة وفق مسارين: أحدهما يتعلق بثقة الناس بالحكومات والمؤسسات العامة، والآخر ثقتهم ببعضهم بعضا والنتيجة بالطبع متواضعة جدا فيما يتعذر على أي مسؤول أن يعترف بأنه لا يثق بالمواطنين.
غياب الثقة الرسمية بالمجتمع يبدو واضحا في أكثر من مجال خذ – مثلا- الخطاب الذي يستخدمه بعض المسؤولين مع الجمهور في وسائل الاعلام ستجد أنه يتراوح بين الاستهانة والاستفزاز والتجاهل. خذ ثانيا موقف الحكومة من وعي الناس و”نخبهم” وعلاقتهم مع دولتهم ستجد ذلك واضحا في المبررات التي قدمتها لإقرار مشروع التعديلات الدستورية، حيث “كيفتها” لحماية الدولة (تصور!) من الحكومات الحزبية كما قيدت هذه الحكومات. حين ترى النور بعد عشر سنوات بمحددات تمنعها من التدخل بالتعليم والدين والسياسة الخارجية وغيرها.
خذ- ثالثا- الممارسات التي تستخدمها الحكومة مع المواطنين، آخر نماذجها توقيف عدد من الطلبة والناشطين الذين عبروا عن آرائهم تجاه “إعلان النوايا” بالتعاون مع إسرائيل ثم ما حدث من ارتباك في مسلسل إعلام المواطنين بهذا الإعلان لدرجة أن وزيرين خرجا بيوم واحد، أحدهما نفى علمه بالموضوع والآخر ذكر أنه علم به قبل سفره بأربع وعشرين ساعة.
لماذا لا تثق الحكومات بالمجتمع؟ لدي ثلاثة أسباب على الأقل الأول أن الحكومات عادة لا تخرج من رحم المجتمع، ولا رحيلها من خياراته وبالتالي فإن وزنه بحساباتها السياسية يبدو خفيفا وربما معدوما. الثاني أن الحكومات تخشى من ردود فعل الشارع على قراراتها وتتعمد – ما استطاعت- اخفاءها أو تأجيل إعلانها أو التغطية على بعض بنودها، أما السبب الثالث فهو أن الحكومات لا تملك القدرة والجرأة للدفاع عما يصدر عنها وما تقوم به، وربما لا يتوفر لديها ما يلزم من معلومات حول الموضوع، أو تتأخر بالحصول عليها. لهذه الأسباب وغيرها مما يعرفه القاريء الكريم، لا تستطيع الحكومات، أو لا تجرؤ أحيانا على مصارحة الأردنيين بالحقيقة، او تقديم المعلومات الصحيحة لهم وبالتالي فإن السؤال عن استعادة ثقة الرسميين بالمجتمع يبدو وجيها (والعكس صحيح أيضا) لأن غياب أو تراجع هذه الثقة يضر بالطرفين معا وبالدولة بشكل عام إذ لا يمكن أن تستقيم معادلة “السياسة” لإدارة شؤون الناس بمعزل عن الثقة بهم، كما لا يمكن لأي حكومة أن تنجح بإقناع مجتمع لا تثق به، أو أن تحرك عجلة التنمية والاقتصاد والتعليم والصحة.. الخ بالاعتماد على قطاع خاص لا تبادله الثقة والاحترام.
من المفارقات أن كثيرا من المسؤولين يصرفون جهودهم ولو نظريا باتجاه محاولة استعادة ثقة الأردنيين بهم، وبالمؤسسات الرسمية ويوزعون الاتهامات على المجتمع بذريعة أن هذه “اللاثقة” نتيجة لحالة اليأس والسوداوية وتناقل الإشاعات وهو(المجتمع) المسؤول عنها فيما لا نسمع عن أي جهد آخر يصب باتجاه استعادة ثقة الحكومات والمسؤولين بالمواطنين ربما يكون ذلك مقصودا للتغطية على فشل الإدارة العامة وتحميل المجتمع مسؤولية هذا الفشل. لا يوجد لدي وصفة أقدمها للمسؤولين لكي يثقوا بنا كمواطنين، يكفي أن أقول: ما يريده الأردنيون من حكوماتهم أن تتعامل معهم بمنطق الصراحة والشجاعة والمسؤولية وتنصب أمامهم موازين العدالة والحرية عندئذ سيتبادل الطرفان الثقة؛ لأنه لا شيء يستوجب التشكيك والخوف والتخفي والانتقام المتبادل.