تبدأ اليوم الدورة التشريعية لقوانين منظومة التحديث السياسية (تعديلات دستورية وانتخاب واحزاب)، حيث يبدأ مجلس النواب اليوم بمطالعة تلك القوانين كقراءة اولى قبل احالتها الى اللجنة القانونية، او الى لجنة خاصة قد يتوافق النواب على تشكيلها خصيصا للنظر في تلك القوانين.
مجلس النواب أمام لحظة تاريخية، وعليه استثمارها بالشكل الصحيح، والتأسيس لمرحلة إصلاح حقيقي يؤسس لدولة مؤسسات وسيادة القانون، وهذا يتطلب فتح حوارات جادة وحقيقية مع كل الأطراف سواء أحزاب أو مؤسسات مجتمع مدني أو نقابات أو جمعيات أو هيئات نسوية وشبابية. صحيح أن الحكومة طالبت في كتاب احالت مشاريع القوانين منحها (صفة الاستعجال)، إلا أن ذاك لا يمنع النواب من فتح باب لحوارات معمقة وجادة مع الجميع والاستماع لرؤيتهم دون تغييب وجهة نظر، وأخذ ما يقال في تلك الحوارات على محمل الجد، وهذا ما ذهب اليه رئيس المجلس في تعليقه على المخرجات، عندما اشار الى نية المجلس فتح حوارات حول قوانين الاحزاب والانتخاب. تأسيسا على ذلك بات في عنق مجلس الأمة (نواب وأعيان) مهمة التعامل مع قوانين الاصلاح من منظار الضرورات الوطنية للإصلاح والتطوير، التي فرضتها ازمات متداخلة شهدتها البلاد، ولذلك فإن المهمة يتوجب ان تكون متسقة مع تلك الرؤى وتؤسس لما نرنو اليه جميعا، وتفتح بابا واسعا امام تحقيق القفزة التي نريدها في المستقبل من خلال منح الاحزاب دورها في الحياة السياسية، ما يعني منح الاحزاب حق ابداء رؤيتها في المخرجات مجتمعة والأخذ بما تقوله دون تغييب او استقواء. إن مسؤولية النواب اليوم الاستماع لجميع الاطراف والاحزاب خصوصا، والاطلاع على كل الملاحظات التي تم الحديث عنها، وهنا لا بد من التأشير إلى ان احزابا مختلفة قدمت وجهات نظرها إما من خلال بيانات او تصريحات، فائتلاف الاحزاب اليسارية والقومية وضعت ملاحظات على المخرجات وخاصة قانون الانتخاب والاحزاب، واصدرت ورقة موقف حولهما، وفي تلك الورقة رأى الائتلاف ان قانون الأحزاب فيه مواد تستوجب التعديل، وبعض المواد الورادة كانت انتاج سياسات سابقة، وبعضها يخالف منطوق الدستور وخاصة فيما يتعلق بالشروط الجديدة لتأسيس الأحزاب في المرحلة المقبلة باعتبار ان تلك الشروط انطوت على مخالفات دستورية، حسب ائتلاف الاحزاب.
وأخذت الاحزاب على بعض مواد وردت في المخرجات غياب نص صريح في التعديلات الدستورية المقترحة حول تداول السلطة، ونوهت إلى انه ورغم ورود نصوص في قانون الاحزاب تمنع التعرّض لأي مواطن أو مساءلته بسبب انتمائه الحزبي، ومنع التعرّض لطلبة مؤسسات التعليم العالي، الا أنها رأت أن هذه المواد بحاجة إلى تحصين وآليات نفاذ من خلال الأنظمة والتعليمات الصريحة والواضحة.
الأحزاب عينها وضعت ملاحظات على مشروع قانون الانتخاب المفترح وخاصة ما يتعلق بالقائمة الحزبية معتبرة ان تلك المخرجات من شأنها في حال اقرارها فتح الطريق أمام الأحزاب الكبيرة فقط، واحتكار المشهد السياسي من قبل تيارين أو ثلاثة على أبعد تقدير، وإقصاء كل التلاوين السياسية الأخرى، مطالبة بتخفيض نسبة الحسم الورادة في مشروع القانون إلى الصفر، كما يجري في البلدان الديمقراطية الحريصة على توسيع التمثيل السياسي. ما خرجت به اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وما اوصت به من مسودات لمشاريغ قوانين فيها الكثير من النقاط الايجابية التي تؤسس للدولة المدنية الحديثة التي نطمح اليها جميعا، وتلك المخرجات تؤسس لمرحلة جديدة وحقيقية من التحول الديمقراطي الجاد، بيد ان ذاك لا يمنع النواب والاعيان من فتح حوارات والاستماع للآراء حول المخرجات، فالتطوير مهم وربما يمتلك البعض وجهات نظر يمكن الاعتماد عليها، والأخذ بها، فالمرحلة لا تحتمل عوائق او شدا للخلف، وبات واجبا فتح الباب واسعا لكل فكرة ورأي تأخذنا لمئوية جديدة وإصلاح جاد وديمقراطية حقيقية.