الأربعاء، 08-06-2022
03:41 م
قبل نحو عامين، كانت التحديات التي تواجه الأردن ذات ملامح محددة وواضحة، وجميعها ارتبطت بالموقع الجيوسياسي للمملكة، وهو الموقع الذي لم تغب عنه النزاعات منذ عقود طويلة؛ فسورية شمالا، العراق شرقا، ودولة الاحتلال غربا. كان الوضع الاقتصادي أقل تضررا مما هو عليه الآن.
اليوم، يضطر الأردن، ومعه العالم كله، إلى أن يعيش ما فرضته جائحة كورونا من تأثيرات كارثية في الاقتصاد، وحين كادت الغمة أن تنقشع وجدنا أنفسنا أمام حرب روسية أوكرانية، وهي وإن كانت بعيدة عن حدودنا، إلا أن تأثيراتها تغطي قارات العالم جميعها.
اليوم، نحن أمام منعطف خطير، ونضع أيدينا فوق قلوبنا مما هو قادم، فالأشهر الستة المقبلة صعبة وحاسمة. المعارك التي يخوضها الأردن اليوم أكثر شراسة، والجبهات التي تشتعل فيها النيران تقذف حرارتها في سماء العالم الذي بات يأخذ شكلا جديدا أكثر بشاعة، وبتنا في وضع مصيري جراء ظروف الحرب الجديدة، ذات القالب الاقتصادي التي تأثر بها العالم كله، بينما المتضرر الأكبر منها الدول الفقيرة.
على الجهة الغربية من الأردن، نرى احتلالا يزداد وقاحة وتطرفا، وأطماعه التوسعية في الداخل هي عنوان رئيسي صريح لا لبس فيه، ما يزيد من أعباء الأردن في التعامل مع ملف القضية الفلسطينية التي لم تعد ذات أولوية بالنسبة للمنطقة التي انحصرت أولوياتها بإيران وتطورها النووي، وتمددها في بلدان عربية عديدة، وأيضا أولوية النجاة من الحرب الروسية الأوكرانية التي تطال الجميع.
الأمر المهم الذي ينبغي علينا معرفته، هو أن انتهاء الحرب لا يعني أبدا أن العالم سيعود إلى ما قبل اندلاعها. لقد باتت معادلة التحالفات الدولية أكثر تعقيدا؛ أوروبا وأميركا من جانب، وروسيا والصين من جانب آخر، فيما باقي الدول تتحسس رؤوسها، وهي غير قادرة على اختيار المعسكر المناسب لها، بينما لن يشفع لها حيادها، ما يعجزها عن رسم سياستها الخارجية، وعلاقاتها الاقتصادية. هذا الأمر يؤثر بشكل كبير على الأردن الذي بات جزءا من حرب لا علاقة له بها، بينما نيرانها تحرقه من كل اتجاه.
التأثيرات الاقتصادية لهذه الحرب كانت باهظة جدا، فقد شهدنا ارتفاعات سعرية متواصلة على غالبية السلع، مع غياب الأمل باستقرار الأسعار في المستقبل القريب، ما دفع الأردن مضطرا إلى رفع أسعار المحروقات، والتي ستؤدي خلال الفترة المقبلة إلى موجة ارتفاعات أخرى، إلى جانب ارتفاعات متوقعة أيضا في أسعار الفائدة، فيما تستمر أثمان بعض السلع التموينية الأساسية في الصعود محليا وعربيا وعالميا. ولعل الأكثر خطورة في هذا السياق هي أسعار الغذاء التي من الممكن أن ترتفع بشكل جنوني، قد يحرم طبقات عديدة في العالم من الحصول عليه.
الأردن الذي طالما راهن على علاقات تاريخية مع العرب والغرب، يجد اليوم أن هذه العلاقات لم تعد قادرة على توفير سبل الدعم له، والثابت الوحيد في هذه المعادلة هو المنحة الأميركية، لذلك كان لا بد من تأسيس ثقافة داخلية هربا من مستقبل أكثر ضبابية، تتمثل في الرؤية الاقتصادية للأعوام العشرة المقبلة، وهي الرؤية التي لا مجال لنا سوى المضي فيها، كونها الحقيقة الوحيدة الثابتة في مئوية الدولة الثانية، جنبا إلى جنب مشروع التحديث السياسي.
الأوضاع التي نعيشها بالغة القسوة، والمواطن حتما يئن من نتائجها، فهو الذي سيتحمل عبء ارتفاع الأسعار في ظل محدودية الدخل وثباته، بينما الارتفاعات السعرية تطحنه من كل اتجاه. لكنه يعيش الأمل بأن تضحياته سوف تثمر في النهاية، وسوف تؤسس لدفع عجلة الاقتصاد والتنمية إلى الأمام. هذا كل ما يطمح به المواطن اليوم.. فلا تخذلوه!