بعد أن أنجزت اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية أعمالها، سيتم وضع مخرجاتها أمام جلالة الملك في بداية الشهر المقبل. المخرجات التي اشتملت على مشروع قانون للأحزاب وآخر للانتخاب وتوصيات مرتبطة بتصور مستقبلي للإدارة المحلية واللامركزية وتمكين الشباب والمرأة بالإضافة لبعض التعديلات الدستورية المنبثقة عن قانون الأحزاب والانتخاب وآلية العمل البرلماني. لن أدخل بنقاش أي من تفاصيل هذه المخرجات لأننا في حالة صمت إعلامي حتى يتم رفعها للمقام السامي، ولكنني سوف أتحدث عن الدلالات السياسية لهذه المخرجات.
بداية، فإن الحكم على هذه المخرجات يجب أن يأخذ كافة أبعاد المخرجات وليس على أجزاء منها، مع مشروعية نقاش التفاصيل بعد الإعلان عنها، ولكن الفكرة في تكاملية أبعاد تحديث المنظومة لتحقيق الأهداف المرجوة منها. الدلالة الأولى، أن الديمقراطية والحوار هما السبيل الوحيد للوصول لفهم مشترك للتحديات التي تواجهنا وكيفية مواجهتها مع عدم استبعاد أي فكرة أو طرف طالما أن الجميع يسعى لرفعة شأن الوطن والدولة. هذه هي الأجواء التي سادت أعمال اللجنة والتي أفضت لهذه النتائج التوافقية بالمجمل. بالإضافة لذلك، فقد كان هناك إجماع على أن التدرج في الإصلاح والتحديث السياسي هو الأسلوب الأمثل في الحالة الأردنية وأن القفز للمجهول لم يكن خيارًا لأي أحد من أعضاء اللجنة. الدلالة الثالثة المهمة بالنسبة لمخرجات اللجنة هي أن هناك إجماعا شبه تام أن مستقبل العمل السياسي في الأردن وخاصة في مجلس النواب سيكون من خلال الأحزاب السياسية وإن كان بتدرج من أجل الوصول إلى برلمان مكون من أحزاب وكتل برامجية وإنهاء ظاهرة النائب الفرد لأن العمل السياسي هو عمل جماعي وليس فرديا. هذا ما يمثله جوهر وروح مشروع قانوني الأحزاب والانتخاب والتعديلات الدستورية المرتبطة بها لأنه لا يمكن وجود ديمقراطية بدون أحزاب سياسية. إن المكانة التي حظيت بها الأحزاب في مخرجات لجنة التحديث السياسي ترقى لأن تشكل مصالحة تاريخية بين الدولة والأحزاب السياسية من جانب وبين المجتمع والأحزاب السياسية من جانب آخر وإنهاء لهذه القطيعة التاريخية. إن عصر الأحزاب الأيديولوجية العابرة للحدود وتلك المرتبطة بالخارج لا مكان له بالدولة الديمقراطية فالكل يعمل تحت سقف الدستور والقانون، وهي بذلك أحزاب وطنية بغض النظر عن خلفياتها السياسية أو الأيديولوجية. اللجنة الملكية لم تشرع للأحزاب القائمة أو ضدها، ولكنها تشرع لخلق بيئة حزبية مستقبلية برامجية لتكون الرافعة الحقيقية للديمقراطية المنشودة. إذا فالكرة ستكون في ملعب الأحزاب والمجتمع. الأحزاب القائمة بحاجة لأخذ شرعيتها السياسية من المجتمع من خلال قدرتها على إقناع المجتمع ببرامجها وأفكارها وصناديق الاقتراع ستكون الحكم. وليس من المستبعد بالمستقبل أن نرى اندماجات أو ائتلافات بين الأحزاب المتشابهة أو تشكيل أحزاب جديدة.
الدلالة الأخرى التي لا تقل أهمية عما سبق، وهي خريطة الطريق التي قدمتها لجنة الإدارة المحلية لنظام الإدارة المحلية وذلك للانتقال من الإدارة المحلية الى الحكم المحلي نحو مزيد من التمكين للبلديات والمحافظات من خلال تفويض هذه المجالس بالعديد من الصلاحيات المرتبطة بالخدمات والتنمية.
أما بالنسبة لتمكين الشباب والمرأة، فقد حظيا بنصيب وافر من التوصيات والإجراءات في كافة المجالات المذكورة أعلاه. لن تكون المهمة سهلة لأن الانتقال إلى العمل الحزبي البرامجي يتطلب تغييرا بالاتجاهات والقيم نحو الأحزاب والعمل الحزبي كما يتطلب إزاحة العقبات العديدة التي كانت تشكل عائقًا لتطور الحياة الحزبية وهذا ما سعت اللجنة لتحقيقه ليسهل الانضمام للأحزاب السياسية وتعزيز منظومة النزاهة والشفافية في العملية الانتخابية التي شابها الكثير من السلبيات بالماضي.
المحطة التالية هي إقرار هذه القوانين أو تعديلها من قبل المجلس التشريعي صاحب الولاية الدستورية. وعندما يتم الانتقال للتطبيق الفعلي لهذه المخرجات، يكون الأردن قد دخل المئوية الثانية بكل ثقة لإحداث نقلة نوعية في الحياة السياسية بالأردن.