ها هي الحكومة مضطرة لتعيد دمج مؤسسات وهيئات مستقلة ماليا وإداريا بالوزارات والدوائر التي انفصلت عنها منذ عدة سنوات ، وعملية الدمج أصعب بكثير من عملية الفصل ، ولكن أخطر ما فيها أن تكون شكلية لا تؤدي إلى الغاية من دمجها ، مثلما لم تؤد الغاية من فصلها واستقلالها ، خاصة عندما يكون الهدف مرتبطا بتوفير النفقات – على أهمية ذلك – لأن ذلك الهدف ليس مضمونا لمجرد إرجاع تلك الهيئات إلى أحضان أمهاتها المنهكة أصلا بالترهل الإداري ، وضيق ذات اليد ، نتيجة العجز الكبير في موازنة الدولة .
كان لا بد من
تصحيح المسار ، وما أعلنه رئيس الوزراء من قرارات الدمج لعدد من الهيئات كخطوة
أولى ، أمر جيد من حيث المبدأ ، وفيه اعتراف واضح بأن معظم تلك الهيئات أو
المؤسسات لم تحقق الغاية التي أنشئت من أجلها ، وأنها قد تحولت إلى عبء على الدولة
، على عكس ما كان متوقعا منها عند تشكيلها ، لتمنح الحيوية والنشاط ، وتتجاوز
البيروقراطية للنهوض بالقطاعات المسؤولة عنها !
ما يجب
التفكير فيه جيدا هو الخطوات المتبعة لتنفيذ عملية الدمج أو الضم ، ولا أتصور أن
يحدث ذلك من دون مراجعة التشريعات والقوانين والأنظمة والتعليمات الخاصة بتلك
الهيئات ، لا بد من عملية متكاملة في هذا الاتجاه ، لأن قرارات الحكومة بهذا الشأن
ليست كافية لوحدها لإعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي .
كان من الضروري أن تتم عملية الدمج وفق
مفهوم أعمق ، يأخذ في الاعتبار المدمج والمدمج إليه ليشكلا معا كيانا واحدا دون إضاعة
فرصة إعادة هندسة تلك القطاعات على أسس متينة ، وبناء تشريعي ومؤسسي جديد ، وفق
قواعد الحوكمة ، أو الحاكمية الرشيدة والجودة وحسن الأداء .
من المؤكد أن
فريقا مختصا من الحكومة قد راجع واقع الهيئات المستقلة ، وربما وضع معيارا يساعده
على التنسيب بالهيئات التي سيعاد دمجها ، والهيئات التي بإمكانها الاحتفاظ
باستقلالها ولكن بعض الهيئات التي ما كان ينبغي أن تستقل أصلا ، وبعض من فشل منها
بالحقائق والأرقام ، ربما سهل على الفريق إدراكها دون عناء ، ومع ذلك هل تم التأكد
من الحالة التي ستكون عليها القطاعات ذات العلاقة بتلك الهيئات نتيجة إجراءات
الدمج !
إذا أجابني
مجيب بأن شيئا لن يتغير من هذه الناحية ، فذلك يعني أن شيئا لن يتغير بعملية الدمج
، لأنها بكل بساطة ليست مبنية لا على حوكمة سليمة ، ولا إعادة هندسة أو هيكلة ،
ولا إستراتيجية رصينة .
لا بأس بأن
تبدأ الحكومة خطواتها الأولى في هذا الاتجاه ، ولكن من دون مأسسة جديدة للقطاع
العام ، وعلاقة قوية ممنهجة مع القطاع الخاص ، فلن يتعدى الأمر مجرد تدابير
إجرائية لا تؤسس لحلول جذرية لمشاكل الإدارة العامة ، التي تعرفها الحكومة أكثر من
غيرها مثلما تعرف أنها بحاجة إلى حالة من القوة والنهوض كي تزيد من قدراتها على
التعامل مع أزمتنا الاقتصادية الراهنة ، والمرشحة لمزيد من التعقيدات ، بسبب ما
يلوح في آفاق المنطقة من أزمات جديدة !