تقرأ التقارير الدولية، عن الأزمات التي تضرب العالم، ولا تستثني أحدا، فتسأل نفسك عن قدرة هذه الدول على التعامل مع هذه الأزمات، وفي الوقت ذاته عن قدرة دول الشرق الأوسط، عموما، على التعامل مع تأثيرات هذه الأزمات وارتدادها عليها نهاية المطاف.
الاستخلاص الأولى الذي تخرج به، أننا في المنطقة، نتأثر كثيرا، بما يجري في العالم، وفي الوقت نفسه لا توجد لدينا أي خطط استعدادا للظروف الصعبة، فالأمور متروكة إلى حيث سارت.
الجفاف يضرب نصف أراضي الصين، بسبب درجات الحرارة، وهذا له تأثير خطير على الزراعة والتصدير والسلع والاقتصاد الصيني، وبريطانيا تعلن أن فواتير الطاقة على الأفراد على مشارف الشتاء من بداية شهر تشرين الأول سوف ترتفع أكثر من 80 بالمائة، وهذا رقم مذهل له تأثيرات على الحياة والصناعة والزراعة وكل شيء، وأنهار أوروبا تجف، بما يعنيه ذلك من تأثيرات على توليد الطاقة، ونقل البضائع، وكلفة السلع، وأسعار الغاز في أوروبا تصل الى 3300 دولار للألف متر مكعب للمرة الأولى منذ شهر آذار، وبلغت الزيادة الإجمالية في سعر الغاز 11 بالمائة، وسوف ترتفع أسعار الغاز كلما اقتربنا من الشتاء، وفرنسا تتباهى بكونها خزنت الغاز بنسبة 90 بالمائة، من احتياجاتها للشتاء المقبل، المتوقع أن يكون باردا جدا.
هناك تغير على خريطة العالم الاجتماعية والاقتصادية، بدأ منذ وباء كورونا، وحين قلنا إننا خرجنا من تأثيرات الوباء، دخلنا في الحرب الروسية الأوكرانية، حيث يفرض العالم العقوبات على الروس، فيدفع العالم ثمنها قبل الروس، إضافة إلى التراجعات الكونية المرتبطة بالمياه، وتأثير ذلك على الزراعة، وسلاسل الإمداد، وتدفق السلع بين دول العالم.
هذه ليست مبالغات، لكن العالم ينجرف نحو الهاوية، وهذه التغيرات قد تبدو بعيدة عن المنطقة، لكن تأثيرها مباشر، لأننا نعيش من يد العالم، وزراعتهم وصناعتهم واختراعاتهم.
وحدنا في العالم العربي، نتفرج على المشهد. ها هو مثلا نهر النيل يتناقص تدفقه ويؤذي مصر والسودان، فلا نفعل شيئا، ومقابله ينخفض منسوب نهري دجلة والفرات، والأذى على سورية والعراق، وهو الأذى الذي يدمر الحياة الإنسانية، والزراعة، والنقل، وكل شيء.
دولنا تعاني بشدة من المديونية المرعبة، وهي مديونيات متعمدة لإغراق الشعوب، وتكبيلها، حيث إن أغلبها غير مفسر، ولم نره على شكل مشاريع حيوية مفيدة، ولا أي استثمار في الطاقة أو الطاقة البديلة أو الزراعة أو الصناعة. نحن مواطنو دول هشة، تتجرع أزمات الآخرين.
هذا فوق الفوضى والفساد والصراعات السياسية والتنكيل بالشعوب، والاحتلالات، وسوء التعليم وتراجع جودته، وغياب المستقبل، وتفشي الأمية بمعناها الحديث، وليس القديم.
الأزمات في العالم تتكاثر بطريقة غريبة، إن لم يكن من الحروب، فمن الطقس، أو الأوبئة، وكأننا نعبر زمنا مختلفا، والدول القوية والثرية باتت بالكاد قادرة على مجابهة هذه الأزمات، فقد أنهكت منذ كورونا، حتى يومنا هذا، وهذا يعني أن حدة الأزمات سوف تترك أثرا عميقا وحادا على بنية دول كثيرة، لديها في الأساس خطط لإدارة الأزمات، وإمكانات اقتصادية للتعامل مع تداعياتها، فما بالنا بالدول الهشة المتأثرة في هذه المنطقة، التي تتفرج بكل برود على ما يجري، وتتأثر فقط، وتبرر لشعوبها، أن حالها، من حال العالم المتطور والثري.
هذه ليست محاولة لبث اليأس في صدور الناس، لكنها مفارقة حقا، أن الأزمات تحاصر دول العالم لاعتبارات مختلفة، فيما الدول الهشة في المنطقة، تتفرج وكأن الأمر لا يعنيها، ولا حتى أعلنت إحداها عن خطة لحماية نفسها، أمام كل الاحتمالات بسبب عواصف العالم، التي لن تستثني منطقتنا من حيث النتائج النهائية، ولن توفرها، أبدا من حيث الكلفة الإجمالية.
ربما تفسير ذلك أن الدول الهشة، ليس لديها ما تخسره، أصلا، فهي خربة منذ يومها الأول.