بجانب حاوية نفايات في حي عماني، أوقف سيارة «بكب» متهالكة، توجه مباشرة لحاوية النفايات، بدأ يعبث فيها بحثا عن شيء ما (كرتون، بلاستيك، زجاج، حديد، ألمنيوم… إلخ)، مشهد نراه يتكرر في أغلب شوارع أحياء عمان وربما مدن أخرى، سابقا كنّا نشاهد تلك الممارسات ولكن بشكل أقل، وكأن من يجول في أعماق تلك الحاويات يبحث باستحياء وخجل وكأنه لا يريد لأحد أن يراه رغم أنه يقف في شارع عام وأمام نظر الجميع.
اليوم اختلف الأمر بشكل كلي، ومن يفعل ذاك بات أكثر تصميما، والخجل مرفوع، سيما وأن ما يفعله يحقق له عائدا ماديا جيدا يمكنه من تجاوز نظرات الناس الفضولية، ويسد رمق أطفال ينطرون كسرة خبز، وعلى سيرة العائد المادي ندعو الله أن لا تتنبه الحكومة لذلك وتفرض ضريبة على كل حاوية قمامة يتم نكشها، فمثل هذا التصرف ليس بعيدا عن حكومة تفرض ضريبة على البنزين يفوق كل الحدود العالمية، والحكومة تقف صامتة أمام وحش الأسعار وجشع تجار.
وقبل الحديث فيما تفعله الحكومة وصمتها، والابتعاد عن فكرة البحث في حاويات القمامة التي أصبحت أقرب لمهنة يستغلها البعض في إطار سعيهم لتوفير لقمة عيشهم بعرق جبينهم دون الحاجة لمد اليد أو انتظار طوابير المعونة الوطنية في ظل حكومات تفخر أنها تشمل برعايتها آلاف الناس، وتتباهى إن ارتفع عدد المشمولين بالمعونة، وتفتخر بإنجازاتها في هذا الشأن رغم أن ذاك أدعى لكي تشعر الحكومات بفشلها، فزيادة أعداد المستفيدين من المعونة الوطنية بعني ضمنا توسع أعداد الفقراء والباحثين عن عمل، وهو أمر تسأل عنه الحكومات وتحاسب.
ليس سهلا البحث في صفائح القمامة، وإن دل ذاك عن أمر فإنه يدل عن فشل الحكومات المتعاقبة في إيجاد حلول اقتصادية ناجعة ترفع من سوية عيش المواطن ومستوى دخله وتخفض نسب التضخم والفقر والبطالة.
أمام تلك المشاهد التي نراها يوميا صباح مساء في الطرقات فإن ذاك يدلل أن الحكومات المتعاقبة والحالية من ضمنهم عليها الابتعاد عن التصريحات الرنانة، والوعود الجوفاء الفارغة التي نسمعها منذ أكثر من 40 عاما، فأسطوانة القادم أجمل لم تعد مقنعة في ظل تدني فرص الفرد في العيش الكريم وتآكل الرواتب وارتفاع الأسعار، فالحياة باتت أكثر صعوبة وشقاوة، ولم تعد عبارات التعبير والإنشاء تفيد في تحفيز الناس على الصبر، فالناس صبرت حتى عجز الصبر عن صبرها، والمواطن شد الأحزمة حتى لم يعد له خصر يمكن أن يمسك الحزام، والسؤال إلى أي درجة تريدنا الحكومة الصمود، فالضوء في آخر السرداب لم نعد نراه والغد الموعود سراب، والأفق ضيق لدرجة أن صفيحة القمامة باتت تشكل عند بعضهم مصدر رزق يعتاشون عليه دون الحاجة لمد اليد.
حل وضعنا الاقتصادي المتأزم لا يكمن في تغيير وجوه وأشخاص، ولا يمكن أن تحل أزمتنا من خلال كلمات إنشائية، والإبقاء على الارتهان للبنك الدولي ونشاطات الصندوق، وإنما حلنا يكمن في تغيير طريقة تفكيرنا الاقتصادية والخروج من الدائرة التي وضعنا أنفسنا فيها منذ أربعين عاما، والبحث عن مدارس اقتصادية أخرى قد يكون فيها خروج من أزمة اقتصادية باتت تعصف بنا.
فالمدرسة الاقتصادية التي وضعنا أنفسنا بها لم ينجح منها أحد منذ عشرات السنين، وأصبح ضروريا تغييرها، والبحث عن مدارس أخرى لأن الفأس وقعت بالرأس وبتنا بحاجة ماسة لتدخلات جراحية عاجلة قبل أن نعض على أصابعنا ندما لتأخرنا.