كل شهر او شهرين، يخرج علينا مسؤولون في تصريحات تحمل المضمون نفسه، أي ان طائرات الدرون المسيرة تراقبكم، وان عليكم ان تحترموا القوانين، حتى لا تتعرضوا لإجراءات عقابية.
بات واضحا أن حلول الأرض قد انتهت، ولم يعد بين أيدينا سوى حلول السماء، فإذا تعرضت خطوط المياه الرئيسية الناقلة لعمليات سرقة او تخريب، يتم التصريح فورا بأن الحل هو في مراقبة خطوط المياه عبر طائرات الدرون، نهارا، لكن لا احد يتحدث عن اعتداءات الليل. اذا كانت هناك مخاوف من حرائق الغابات او حرقها المتعمد من الحطابين قيل إن الغابات ستكون رقابة طائرات الدرون، واذا خرجت نتائج الثانوية العامة، كما يوم امس، وكانت هناك مخاوف من فوضى السيارات، والمخالفات والمواكب، يتم الإعلان عن مراقبة كل شيء بواسطة طائرات الدرون المسيرة، لمنع الفوضى، او لرصدها، ورصد من يتسببون بها، في اللحظة ذاتها. قد نصل بعد وقت قصير الى مرحلة نكون فيها بحاجة الى طائرة درون لكل مواطن، تراقبه عند خروجه، صباحا، وتغطي تحركاته طوال اليوم، ولا بأس من ربطها بالرقم الوطني، لغايات قانونية. هذا واقع مؤلم، ان تجاهر الدولة، ان الحل الوحيد هو مراقبة الناس، بواسطة طائرات الدرون المسيرة، فلا الدولة لديها وسائل بديلة، وبات الحل عندها ملاحقتنا فوق رؤوسنا، ولا المواطن يلتزم بالقوانين والأنظمة، والذوق، والأصول، وما يفرضه العقل والمنطق، حتى قبل القوانين.
كل هذا يؤشر على خلل كبير في المجتمع، خلل يشمل الجهات الرسمية، والمواطنين معا، ونحن هنا قد نتحدث بعد قليل عن مراقبة حفلات الزفاف بواسطة الطائرات المسيرة، وتجمعات الانتخابات النقابية بواسطة الطائرات المسيرة، والعداد قد يفتح لمزيد من الأفكار الإبداعية.
ما هذه المشاعر التي يمكن ان تعيشها اذا كانت الكاميرات تراقبك في الشوارع، وطائرات الدرون تراقبك من فوق رأسك، غير من يراقبونك من الجهات الرسمية العلنية والسرية، ورقابة وسائل الاتصال، ورقابة الاهل، ورقابة الجيران، ورقابة الضمير، ورقابة الأبناء، ورقابة الوالدين، ورقابة النفس اللوامة، ورقابة الزوجة، ورقابة الضرائب، ورقابة حارس العمارة، ورقابة شرطي السير، ورقابة الواتس اب ،ورقابة حسابك على فيس بوك أو تويتر، ورقابة مفتشي الصحة والغذاء. هذه ليست سخرية من المشهد، لكننا نؤشر إلى ان هناك خللا كبيرا، فالمواطن من حقه ان يفرح مثلا بنتائج من يخصه في الثانوية العامة، لكنه أيضا يعلن رسوب نجله او ابنته على المستوى الاجتماعي، حين يحتفل بإغلاق الطرقات، او اطلاق الرصاص، وهذه هي نتيجته الحقيقية، والذي يحرق غابة، او يسرق الماء، يقول انه بلا أي معتقد أو جذر أخلاقي، يمنعه عن هذه الممارسات، والكل يتحدى القانون، والكل يتباهى بمن له من أقارب هنا او هناك، يخلصونه عند الورطة، فيصير الحل التهديد بطائرات الدرون، التي تستعملها الدول أساسا في مهمات اكثر أولوية من مراقبة الحدود، وصولا الى ملاحقة عصابة مخدرات مجرمة و هاربة على سبيل المثال.
الجهات الرسمية عليها أيضا ان تتوقف عن قصة الطائرات المسيرة، فهذا دليل افلاس، حين لا تجد حلا لتطبيق القوانين، سوى التلويح بالرقابة من فوق، باعتبارنا تحت، فيما ان هذه نتيجة طبيعية للتراخي على مدى سنوات طويلة، وضعف تطبيق القوانين، والاستثناءات، والواسطات، وتغييب هيبة القانون والدولة، بحيث وصلنا الى الحالة التي نراها، أي نستجدي المواطن ان يحترم التعليمات والقوانين، مع التلويح بالرقابة بواسطة طائرات الدرون وكأننا في منطقة حرب. منذ اليوم، الثلاثاء، سوف اخرج من منزلي، واقرأ المعوذات، وستكون أولى نظراتي الى السماء، تحوطا من طائرة درون مسيرة، لا تعرف من اطلقها، وما هي غايتها، حتى يهدينا الله ونجد طريقة للتشويش على هذه الطائرات، التي باتت الصرعة الاحدث في حوار الدولة مع مواطنيها، وهو حوار لا احد فيه يسمع للآخر، ولا المواطن فيه يريد ان يرحم مؤسسات دولته، ولا تجد دولته فيه أيضا حلا لوقف كل هذه التجاوزات، سوى التلويح بالطائرات المسيرة من فوق رؤوسنا، وخلف ظهورنا. اريد حصتي من طائرات الدرون، لتراقبني وتؤدبني كما يليق بي، وليتها لا تكون صينية الصنع، واعلن لكم انني اشعر بالاضطهاد الشديد جراء كثرة الذين يراقبونني، آناء الليل واطراف النهار.