في بلد لا ينتج الكثير من الطاقة وما تزال صناعته تحبو لا يكاد يمضي يوم دون ان تظهر قضية هنا او هناك لها علاقة بالطاقة. الرسميون والاهالي والاعلام والنواب منهمكون في محاولات لفهم الأحاجي والألغاز التي تدور حول الطاقة ولا احد قادر على الخروج بقصة كاملة واضحة ومقنعة تفسر ما يدور في هذا الملف او تقدم تفسيرات منطقية لحجم التشابك والتعقيد او تؤشر على الاسباب او حتى الاشخاص المسؤولون عما يدور في هذا المجال ولماذا ندخل في هذه الدوامة التي تأخذنا لتأويلات وتفسيرات وشطحات ابعد مما ينبغي ان تكون عليه.
في الاردن ظلت الحكومات مصرة على ان الاردن بلد غير منتج للطاقة وان لا نفط او غاز بكميات تجارية لديه فبقينا لعقود نتلقى دعما نفطيا او اموالا من الاشقاء العرب لدعم موازناتنا ومساعدتنا على تجاوز الضائقة المادية الناجمة عن حاجاتنا للدفاع والتنمية وادامة الخدمات. فقد حرص الزعيم العراقي طوال الثمانينيات والتسعينيات على سد معظم حاجاتنا من الطاقة بأشكال وصيغ مختلفة. وبقيت المنح العربية تتوالى لدعم الاقتصاد الاردني وتوفير شيء من الرغد للشعب الاردني الذي بقي موضعا لتقدير واحترام الشعوب العربية لكفاحه وعروبته وجديته.
المشاكل الاردنية مع الطاقة بدأت بعد توقف الدعم العراقي وتوالدت بعد دخول عشرات الشركات وتشظي شركة الكهرباء الى عدة شركات ودخولها في علاقات وحمايات وتداخلات وضمانات راكمت الكثير من الاعباء على المواطن والمستهلك وجعلت الجميع يشعر بثقل الفاتورة التي لم تكن في حسابات الكثير من الاسر ولا حتى المؤسسات قبل احداث التغيرات التي اقتراحها دعاة الخصخصة والشراكات الاستراتيجية.
اليوم تتناوب قصص وقضايا المصفاة والتسعيرة المتجددة للمشتقات النفطية وملف الطاقة النووية والغاز الاسرائيلي والعطارات والغاز الواعد في الريشة والمواقف المتحولة من فكرة الاستثمار في توليد الطاقة المتجددة والتسعيرات المتباينة للمنتجات واخبار شراء الحكومة لطاقة اكثر مما تحتاج وظهور ارقام غير واضحة علي الفواتير والغبن الذي لحق بالحكومة جراء اتفاقية طالما روج لها بأنها الحل… فتطفو كل يوم واحدة لتظهر اخرى قبل ان يجد الناس اجابات على اسئلتهم.
في الاردن يبدو ان ملف الطاقة يحمل الكثير من الكودات والفصول التي قد لا تعير نفسها للملاحظة، وفي كل مرة تأتي شركة دولية للتنقيب وتغادر دون ان يعرف الناس ما توصلت اليه ولماذا يؤتى بغيرها؟ الصخر الزيتي الذي باشرت العمل به الشركة الهولندية قبل اعوام وسحبت آلياتها عادت شركة صينية لتأخذ مكانها، وشركة البترول الاردنية التي تأسست في بلد لا بترول فيه وعشرات القضايا التي تحير كل من يفكر بالبحث في ملف الطاقة امور تحتاج الى شرح وتوضيح، المعادلة لا تحتاج الي كل هذه التعقيدات والدولة لا تحتاج لأن تشغل نفسها في تعقيدات وتشابكات ما كان ينبغي السماح بحدوثها او استمرارها.
الحديث الدائر اليوم حول العقد الذي ابرم مع احدى الشركات ومثل تفريطا بحقوق اردنية جريمة ينبغي ان يحاسب المسؤول عن التفاوض والتوقيع والمصادقة ومن غير المعقول ولا المقبول أن يبقى المواطن يسمع عن اخفاقات واخطاء وجرائم بحق الوطن دون ان يظهر من ارتكبوا هذه الاخطاء وتحت اي مبررات واسباب، المسؤول مفهوم يشير الى انك تعطي سلطة لشخص ليمارس عمل ويتخذ قرارات ويتحمل تبعات الاخطاء التي يرتكبها لا سيما تلك الجسيمة التي تمس مصالح الأمة.