الأحد 2024-11-24 00:29 ص

العرب لا يخشون إلا السلطة

04:00 م
ما من خطر يحيط بالدول، مثل المحاصصة، ونقصد هنا إشعال الصراعات، بين مكونات أي بلد، إلى درجة دخول أطراف أجنبية، يتبنى كل طرف خارجي منها، مظلومية طرف داخلي.

في قصة العراق لا يمكن تبسيط القصة، بكونها مجرد محاصصة طائفية أدت إلى كل هذه النتائج، لأن الوضع في العراق، أعقد بكثير من مجرد تقاسم للنفوذ بين الشيعة ذاتهم، أو السنة، أو الأكراد، أو بين هذه الأطراف، والذي جرى في العراق، إعدام بشكل مقصود، أدى الى المشهد السياسي الحالي الذي نراه، حين يتحول العراق الى ملعب اقليمي ودولي.

مظالم الفئات المتنوعة والطوائف والأعراق في أي بلد، قنبلة موقوتة يتم تفجيرها في أي لحظة، والأسوأ أننا نجد في دول عربية متعددة، استعدادا شعبيا، لفض فكرة المواطنة، نحو التقسيم الداخلي، بما يعنيه ذلك من صراعات وخلافات وتدمير بنية اي بلد بشكل واضح.
لقد قيل مرارا إن الدول عليها أن تغلق هذه المساحات، ولا تسمح بتوظيفها، من خلال العدالة والمساواة، وتطبيق القانون، ومنح الناس حقوقهم، لكن لا احد يسمع او يستجيب.
العراق اليوم، لا يجد شربة الماء النظيفة، ولا حبة الدواء، وبنيته التحتية مدمرة، وهو مقسم فعليا على ثلاث فئات، وكل فئة منقسمة على نفسها، والفساد باسم الدين أو المذهب أو الحزب أو العرق، أدى إلى نهب مئات مليارات الدولارات، فالبلد العربي، سقط اليوم، لألف عام قادمة، وهذا ما جنته المنطقة من أفعالها، بما يمهد لما هو أخطر الفترة المقبلة.

المحاصصة المريضة هنا لا تتولد دون سبب، والدول البالغة العاقلة، عليها ان تغلق كل بوابات هذا الخطر، وقد رأينا ما فعلته المحاصصة في سورية، ولبنان، والعراق، ودول ثانية.
ماذا استفاد الانسان العراقي العادي، من كل هذه الصراعات التي تعصف ببلاده، وهل سيطعم الانسان ابنه او ابنته، مذهبا، او شعارا سياسيا، وسيعالجه بنقع ادبيات كل هذه المجموعات السياسية وشربها، أم سوف يستسقي الماء له من سماءات إيران أو تركيا؟.
لقد أثبت العقل العربي، كل النظريات السلبية التي قيلت بحقه، فهو عقل منقسم على نفسه، انشطاري، لا يؤمن بالعمل الجماعي، خلافي وجدلي، يخشى السلطة القوية فقط، يبدد فرص الحياة، تحت شعارات مختلفة، وغير قادر على النهضة مجددا، فوق انه يوظف الدين بطريقة تسيء الى الدين، في سياقات دنيوية، ويبحث دوما عن حاضنة ترعاه، كدولة من الاقليم، او طرف دولي، مؤكدا قصور قدرته على ان يصون مصالحه ضمن مصالح بلاده.
خطورة المحاصصة الاجتماعية، او الطائفية، او الدينية، او السياسية، تكمن في العلاقة مع السلطة، لأن دعوات المحاصصة ستبقى خافتة ومتوارية ما دامت السلطة قوية، وحين تنهار السلطة، حتى لو كانت ظالمة، ستخرج رؤوس الدعوات للمحاصصة بشكل اقوى، فتعيد ظلم السلطة البائدة، مجددا، لكن بثوب جديد، يثبت أن الإنسان العربي، لم ينجح حتى الآن في كل اختبارات البقاء، من جهة، ولا اثبت قدرته على الانصهار في مشروع جمعي.
الدول العاقلة والبالغة، سياسيا، عليها ان تتنبه جيدا الى تشكيلات الطبقات لديها، وتقرأ تحولاتها، قبل ان تصبح أداة في يد دول ثانية، وقبل أن تتحول الى مهددات داخلية، لكن الكارثة هنا، ان كثرة من الأنظمة تستفيد من هذه التشكيلات وتديمها من أجل أن تبقى الانظمة ذاتها، فوق الكل، ولا نستبعد ان تكون تلك وظيفة مطلوبة من هذه الأنظمة.

ما يقال هنا صراحة، ان تركيبة الانسان العربي، لا تسمح له باحترام التعددية، التي نطالب بها ليل نهار، ولا يلائم العربي الا النظام القوي المركزي المتسلط، الذي يكون في ظلمه القليل، نجاة من الظلم الاكبر، إذا انهارت الدول، وكأننا بين خيارين أسوأ من بعضهما البعض.
بدون تنظيف العقل العربي، من كل هذا الجدل الموروث على كل المسارات، لا يمكن تبني فكرة جمعية والدفاع عنها، بدون يد من حديد، مثلما رأينا في العراق ذاته قبل عام 2003.
انها لمفارقة حقا، ان نطالب بأنظمة مركزية متسلطة كحل وحيد، وفي الوقت نفسه نحذر من كلفة المظالم المتراكمة، بسبب هذه الأنظمة، لكنها العقدة التي لا يمكن حلها.
العرب لا يخشون إلا السلطة، وإذا أسقطوها، جلبوا سلطة أسوأ بديلا عنها.
gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة