السبت، 16-01-2021
03:39 م
التعليم عن بعد الذي بدأ كضرورة أملتها الظروف الصحية للبلاد وسياسات التباعد الجسدي أصبح واقعا يخضع للتطوير والتحسين يوما بعد آخر. في المدارس الحكومية والخاصة، ورغم وجود العديد من الملاحظات، تكيف الطلبة مع هذا النمط واعتادت الأسر على أن تشارك أبناءها في التحضير والمناقشة والتعلم. أيا كانت المخرجات فقد كسر المعلم والطالب والأسرة حاجز الخوف من استخدام التكنولوجيا في التعلم وأدرك الصغار أن بإمكانهم الحصول على المعرفة والتفاعل مع الأقران والمدرسة مستخدمين الوسائل والتقنيات.
الكثير من الأطفال كان الاعتقاد لديهم أن التكنولوجيا وجدت من أجل اللعب والتواصل الاجتماعي والتسلية قبل أن تقرر الحكومة الاعتماد شبه الكلي عليها في التعلم والاختبارات والتفاعل.
في مختلف محافظات وبيئات الأردن، أصبح بمقدور الجميع أساتذة وطلابا، استخدام الأجهزة الحاسوبية والهواتف النقالة لإدامة التواصل والارتباط بالمنصات والصفوف التي يتناوب على إدارتها المعلمون بإيقاع لا يختلف عن اليوم المدرسي إلا بتوزيع الطلبة على أماكن ومواقع متباعدة ولا تشبه مواقعهم في الصفوف المدرسية التي اعتادوا عليها في السنوات السابقة.
صحيح أن الطلبة افتقدوا متعة التفاعل الوجاهي مع الأقران والإحساس بأنهم أعضاء في مجموعات أو صفوف غير افتراضية، لكن ذلك الشكل التعليمي حمل وما يزال يحمل قيمة نوعية مضافة سيدركها الطلبة والأهالي والمعلمون في الأيام والأعوام اللاحقة. يدرك الأهالي والأطفال الحاجة الى التعلم الوجاهي والاستمتاع بالعمليات الصفية بما فيها من تعاون ومنافسة وربما المناكفة الضرورية لتوليد انفعالات تقتل الضجر والروتين والبرود الذي يعايشه الطالب وهو يجلس لساعات أمام الشاشة الصماء يستمع الى أصوات المعلمين الذين يحاولون جاهدين إثارة اهتمام الطلبة بمواضيع وعناوين جديدة وتوزيع وقتهم وجهدهم على عشرات الطلبة المرتبط كل منهم بميكروفون وكاميرا ومتواجد في بيئة فيزيائية لا تخلو من الإزعاج والتشويش.
خلال أقل من عام، تباينت الأحكام والتقييمات التي قدمتها الحكومة لتجربة التعليم عن بعد، فقد انتقلت من درجة “ممتاز” التي نتذكر جميعا تخطيط الدكتور عمر الرزاز لها على نافذة زجاجية قبل بضعة أشهر الى التصريح بغياب 38 % من الطلبة وعدم التزامهم بقواعد وشروط التعلم عن بعد لأسباب موضوعية وذاتية متنوعة وإلى شكوى البعض من مصداقية النتائج التي يحصل عليها الطلبة في الاختبارات بسبب تدخل ومشاركة الأهل، وخصوصا الأمهات في العملية التعليمية وتقديم البعض للامتحانات أو صياغة الإجابات نيابة عن الطلبة.
أيا كانت التقييمات، فمن المهم الاعتراف بأن إدخال هذا النوع من التعليم كان ضروريا لتجاوز الأخطار التي كان من الممكن حدوثها مع استمرار ذهاب الطلبة للمدارس، كما أنه قدم مكانة إضافية لأسرة التعليم وأساليب التعلم، إضافة الى إذكاء روح البحث ودفع الأهل الى تجديد اهتمامهم بالعملية التعليمية بعدما خبا هذا الاهتمام وأشرف على التلاشي.
الحكومة الأردنية التي قالت مرارا إنها نجحت في تطبيق وإدارة هذا النوع من التعليم تعد هذه الأيام مراجعة سريعة لخططها وبرنامجها وتستعد دون مقدمات واضحة لإعادة الطلبة الى المدارس. هذه الخطوة الجديدة والمفاجئة لا تستند الى أسباب موضوعية، فالوباء ما يزال منتشرا وبصورة تفوق الأعداد التي كانت عند الإعلان عن توق التدريس بصورته التقليدية. في غالبية أرجاء العالم هناك اتجاه قوي لمزيد من الإغلاق والحظر الشامل لوقف تزايد الانتشار.
صحيح أن الخطوة التي قامت بها الحكومة تستند الى توجيهات ملكية بالمراجعة، لكن التوجيه يشترط المراعاة للصحة والحاجة الى الانفتاح. المواءمة بين هاتين الغايتين تحتاج الى دراسة معمقة وحكمة وخطاب عقلاني راشد يتجاوز التبريرات التي تجري بعد كل قرار. الأسر الأردنية التي تصارع الأخطار الصحية والخسارة المحتملة لبعض الأحبة والأعزاء تواجه كابوسا لا يقل أهمية عن الوباء. فالتعليم حاجة لكن السلامة هدف يسمو على كل الأهداف والأولويات. أتمنى أن توفق الحكومة في الوصول الى معادلة منطقية قابلة للتطبيق وقابلة للتبني والتأييد.