مفاجئة انتخابية من العيار الثقيل تلك التي تأتت جراء خسارة الاسلاميين الفادحة في الانتخابات البرلمانية الاخيرة في المغرب. حزب العدالة والتنمية الاسلامي يحصل على 12 مقعدا بعد ان كان له 125 مقعدا في انتخابات 2016. سقوط سياسي مدوّ سحب البساط من تحت اقدام اي ادعاءات من تزوير حصل ضد الحزب كما اعلنت بعض قياداته.
انقسمت التسبيبات لما حدث الى ثلاث فرق؛ اولها، من قال ان ما جرى نتيجة التطبيع مع اسرائيل وقبول صفقة القرن مقابل انتزاع اعتراف اميركي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. هذا استنتاج فيه كثير من الجهل للواقع السياسي المغربي الذي لم تكن العلاقات مع اسرائيل او التطبيع معها جزءا مؤثرا فيه، كما ان الناخب المغربي يعلم تماما ان ملف السياسة الخارجية ليس بيد الحكومة فلماذا يلومها على قرار سياسي خارجي وهو يعلم انه ليس ملكها. ثاني التسبيبات نحى للقول ان اخفاق الحزب الاسلامي من الاتيان بحلول عملية للمشاكل التي تواجه المغاربة، من فقر وبطالة وغيرها كان مفصليا لعزوف الناس عن انتخابهم، وفي هذا الطرح وجاهة كبيرة وتجارب كل شعوب العالم تؤكد ذلك. أما الفريق الاخير، فيقول ان الاسلام السياسي قد استنفد رصيده الانتخابي، وان استبداله أتى بعد ان اقتنع الناخبون ان الشعارات شيء، والحقيقة والواقع والتعامل مع الميدان والتحديات شيء آخر.
أعتقد ان الدقة تقتضي القول ان مزيجا من الثلاثة اسباب اعلاه قد تصلح لتفسير ما جرى، والحقيقة تبقى ان الانتخابات المغربية الاخيرة تاريخية بالمعنى السياسي والايديولوجي، وان المغرب المجتمع والدولة مستفيد مما جرى وخطا خطوة سياسية مهمة جراء حدوثه. السؤال الكبير لنا نحن بلاد المشرق العربي والأردن في قلبها: هل يمكن القياس على ما جرى بالمغرب لتكرار التجربة في بلاد الشرق العربي، وما هي الدروس المستفادة مما حصل هناك؟ هذا هو الجزء الغائب عن معظم نقاشاتنا، والحق القول ان احزاب وتيارات الاسلام السياسي في المشرق العربي تختلف في العمق عن تلك الموجودة في المغرب العربي، وكنا قد قلنا مرارا لقادة الاسلام السياسي لدينا يا ليتكم مثل تيارات الاسلام السياسي في المغرب العربي لكنتم قد شكلتم حكومة قبلها. هذه حقيقة عليهم وعلينا جميعا ان نراها، فالإسلام السياسي لدينا اخفق بشكل كبير في تجديد خطابه وتحديثه، ويثبت في كل مرة انه يضمر عكس ما يعلن، وان المغالبة هي ما يسيطر على وجدانه وليس المشاركة، وان اطروحاته تغرق بالشعاراتية والشعبوية. لنا ان نتذكر ونستحضر كيف تعامل اسلاميو المغرب مع الربيع العربي بالمقارنة مع اسلاميينا، الذي اغلقوا الهواتف وذهبوا لمرسي يستنون الرماح. حتى في آخر وأبسط حدث تحت القبة يوم التصويت على فصل النائب اسامة العجارمة، تصرف الاسلاميين وارسلوا رسالة خاطئة تؤكد من جديد انهم يضمرون عكس ما يعلنون، وانهم غير جاهزين للمشاركة وعقلهم مبرمج فقط على المغالبة.
على أي حال، نحن نسير بطريق الانفتاح المتدرج الخاص بنا، وفي التدرج كثير من الحكمة لاختبار النوايا واحداث التطوير الحزبي المنشود.