يشتد الصراع السياسي في إسرائيل بين رئيس الوزراء السابق، والحكومة الجديدة، وهو صراع يرتد على الفلسطينيين، بطريقة واضحة، عبر جعلهم ساحة لهذا الصراع.
مسيرة الأعلام في القدس، مساء أمس، رفعت شعارات تصف رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديدة بكونه خائنا، والمؤكد هنا، ان رئيس الحكومة الإسرائيلية المطاح به، سيحاول بكل الطرق تفجير الحكومة الإسرائيلية الجديدة، عبر جرها إلى صراع مع المتطرفين اليهود، من جهة، ومع الفلسطينيين من جهة ثانية، بما يؤشر على ان سقوط الحكومة الجديدة، لن يستغرق وقتا طويلا، وهي مؤهلة لعدم الاستمرار، في ظل تعقيدات المشهد داخل كينونة الاحتلال. لكن الأهم هنا، ما يجري على الصعيد الفلسطيني، أي عودة التوتر إلى مدينة القدس، إذ ان صباح الثلاثاء شهد اقتحامات إسرائيلية للحرم القدسي، بحماية الشرطة الإسرائيلية، فيما تم إغلاق منطقة باب العمود، ومناطق كثيرة داخل القدس، ومحال تجارية، وتوفير حماية لمسيرة الأعلام الإسرائيلية، التي تأتي أيضا من باب الثأر لما تعرضت له المسيرة الأولى، في الثامن والعشرين من رمضان الماضي، بعد اندلاع الأحداث والمواجهات المعروفة التي رأيناها.
شوي لحم الفلسطينيين على يد الإسرائيليين، في ظل صراعهم الداخلي، يبدو أحد خياراتهم، فالذي يريد رفع شعبيته، يقصف الفلسطينيين، والذي يريد الإطاحة بحكومة جديدة، يوجه مجاميع المتطرفين نحو الفلسطينيين، للتعرض لهم، في القدس، تحديدا، وفي مناطق ثانية، وهذا يثبت ان الاحتلال، إضافة الى كونه احتلالا، إلا أنه أيضا يعتبر الفلسطينيين وقتلهم، ورقة سياسية، يتم توظيفها خلال الانتخابات الإسرائيلية، وما بعدها، بشكل مكشوف وفاضح.
الحلقة المعترضة الأكثر أهمية هنا، هي رد فعل الشعب الفلسطيني، فهو يدرك هنا، ان مقدساته مهددة، وان مدينة القدس تتعرض لأبشع الحملات الإسرائيلية، وهو أيضا يعرف أن التعرض له بهمجية يجري لاعتبارات أمنية، وأخرى سياسية على صلة بالصراع الإسرائيلي الداخلي، بما يفتح التساؤلات اليوم، عن جدوى وجود فلسطينيين عرب، في الكنيست الإسرائيلي أساسا، ثم مغزى تحالف الفائزين منهم، مع هذا التشكيل الحكومي أو ذاك، وهم يرون بأنفسهم ما يتعرض له أهل القدس، وأهل النقب، وأهل غزة، وكل البشاعة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في فلسطين المحتلة العام 1948، التي وصلت حد اعتقال الآلاف بعد الأحداث الأخيرة في فلسطين.
بهذا المعنى يقاوم الفلسطينيون على أكثر من جبهة، أولها جبهة القدس، وحماية المقدسات، وثانيها منع حرقهم أحياء وتوظيفهم في صراعات الاحتلال الداخلية، وثالثها منع العودة إلى التقسيمات الوجدانية للفلسطينيين التي نعرفها، عبر غزة أولا، القدس، الضفة الغربية، فلسطين 1948، ورابعها أهمية خروجهم من حلبة مصارعة الثيران الإسرائيليين الذين يتناوبون على الشعب الفلسطيني، في سياقات استرضاء المتطرفين، والحصول على تمثيل الإسرائيليين، دون ان يفقدوا هنا ميزة الوقوف في وجه الاحتلال، والتحول إلى مجرد طائفة عربية مستضعفة.
المشاهد التي رأيناها في القدس ستقودنا على الأرجح إلى عدة احتمالات، أولها اندلاع المواجهات بشكل جديد خلال أقرب فترة ممكنة في القدس مباشرة، أو عبر منصة غزة، التي تقف أمام تعقيدات إعادة الإعمار، وتبادل الأسرى، وثانيها سقوط الحكومة الإسرائيلية الحالية تحت ضغط الصراع الإسرائيلي الداخلي، وثالثها التساؤلات حول جدوى تصويت أعضاء كنيست فلسطينيين لهذه الحكومة القائمة، ومخاوفهم أيضا من حكومة تأتي بنتنياهو مجددا، ورابعها تلك الاستحالة التي تثبت كل يوم، حول انطلاقة عملية السلام والمفاوضات من جديد. هذا يثبت اننا أمام ذات الاحتلال، بوجهين مختلفين، وعبر حكومات متتالية، ترى في الفلسطينيين عدوا لا بد من تصفيته، مثلما لا تمانع في توظيفه في الحملات الانتخابية والصراعات السياسية، لرفع شعبية المرشحين الإسرائيليين، ليبقى السؤال الجوهري الموجه اليوم، إلى الجماعات الفلسطينية التي نرى ممثليها في الكنيست، وأين هي من هذه المعادلات، وماذا تنتظر أيضا للتخفيف عن الشعب الفلسطيني، بدلا من اصطفافهم غير المنتج تحت قبة الكنيست، مع ادراكنا انهم بين خيارين، احلاهما نار وقتل وموت واستيطان.