هذا المأزق الذي يواجه الأردن، في العلاقة مع السوريين، لا ينتهي، إذ بعد الإعلان عن فتح الحدود البرية مع السوريين، انفجرت المواجهات العسكرية مجددا في مناطق جنوب سورية.
الأردن عبر علاقته مع الأميركيين، فتح الملف السوري، على أساس عدة مسارب، الأول ان النظام قد يمكن تأهيله سياسيا، ما دام هذا النظام باقيا حتى الآن، والواضح ان لا تصور اميركيا بشكل نهائي، حول تأهيل النظام، خصوصا، في ظل التعقيدات الروسية والإيرانية في الملف السوري، والثاني أن عقوبات قيصر ترهق الشعب السوري، مثلما تؤذي الأردن تجاريا، وحاجة الأردن الى استثناءات من هذه العقوبات، على طريقة الاستثناءات التي حصل عليها الأردن في فترة العقوبات على العراقيين، وهذا المسرب قيد الدراسة، والواضح ان هناك تعاونا اميركيا مع الأردن في هذا الصدد، وعدم وجود ممانعة بشكل كامل، للانفتاح الاقتصادي بين الأردن وسورية، من اجل تحسين الوضع في الأردن، وثالث هذه المسارب، يتعلق بمجمل الوضع الإقليمي، والاضطرابات في كل المنطقة، من ايران، الى العراق، وصولا الى سورية.
الاتصالات السياسية بين الأردن وسورية، ارتفع مستواها دون اشهار رسمي، فيما الاتصالات الفنية على مستوى الوزراء، باتت علنية في الاعلام، بقبول الجانبين الأردني والسوري.
لكن المفارقة هنا، أن القرار لا يبدو أردنياً أو سوريا فقط، إذ مع فتح الحدود البرية وتعرض الطريق الى قطع من جانب الميليشيات المسلحة، وارسال الجيش السوري الى وحدات الى مدينة درعا، وريفها الشرقي والغربي، وانفجار المواجهات مع المسلحين، عاد الأردن وأغلق حدوده، وكأن هناك طرفا ثالثا، لا يريد للحياة ان تعود الى طبيعتها في جنوب سورية، وجزء من هذه الفاتورة يتم ارساله الى الأردن، بشكل مباشر، بعد أيام قليلة من فتح الحدود.
من المعروف هنا، ان مناطق جنوب سورية، وعلى طول الحدود، بؤر خطيرة، من الجماعات المسلحة، الى المقاتلين الموالين للنظام، مرورا بعصابات تهريب السلاح والمخدرات، والأردن تكمن مصلحته الأولى في تطهير هذه الحدود، حتى لا تبقى بوابة للأخطار، خصوصا، مع وجود مصانع تصنيع المخدرات في هذه المناطق، وصولا الى المناطق المشتركة مع العراق.
هذا يعني أن الأردن لديه مصلحة كبرى في التهدئة النهائية في جنوب سورية، لاعتبارات اقتصادية، وامنية، لكن كما هو معروف هناك اطراف لديها حسابات مختلفة، قادرة على إعادة خلط الأوراق، في هذه المناطق، بشكل موجه ضد دمشق الرسمية، وبالنتيجة ضد محاولات الأردن، استرداد العلاقة في حدود معينة، توطئة للتعاون حتى على صعيد المياه والطاقة.
هناك إقرار رسمي في الأردن، يقول إن السوريين في الأردن، ملف مفتوح، أيضا، وكل التوقعات القديمة ثبت صحتها، واعيد اشهارها هذه الأيام، أي ان كتلة الاشقاء السوريين ستبقى في الأردن، لوقت طويل، بما يعني أن الأردن بات شريكا في الازمة السورية، من حيث تحمل الكلفة، والتحليلات تؤشر على ان غالبية السوريين في الأردن، ليسوا من ملاك الأراضي او العقارات في سورية، واشتبكوا أيضا بالحياة الاقتصادية والاجتماعية في الأردن، ونشأت أجيال جديدة، تعرف المدن الأردنية، وتعلمت اللكنة الأردنية، وباتت مرتبطة بالأردن، في ظل انعدام الامن في سورية، والمخاوف من العودة، خصوصا، مع عدم وجود ضمانات دولية وسورية، تحمي هؤلاء عند العودة، او توفر لهم فرص الحياة الكريمة والاستقرار الطبيعي، وكأننا امام إعادة رسم ديموغرافي لسورية، دون ان يحرك احد ساكنا على هذا الصعيد.
في المحصلة يمكن وصف المشهد بما يلي، فالأردن معني اليوم، بعودة الدولة الى جنوب سورية، لاعتبارات كثيرة، ويريد تحسين علاقاته الاقتصادية، ويأمل ان تحدث تسوية على صعيد كينونة النظام وعلاقاته العربية والإقليمية، خصوصا، حين يرى الأردن ان كل جواره شمالا وغربا وشرقا، غارق في الازمات، بما يجعل الأردن في قمة حاجته الى تخفيف الضغط الإقليمي عن عصبه العام، هذا اذا استطاع الى ذلك سبيلا، وتركت القوى الإقليمية المنطقة لتعيد ترتيب اوراقها في كل مكان، وهو امر مستبعد، بعد ان اصبحنا جميعا ضحايا لهذا الوضع، وللعبة الإقليمية والدولية في هذه المنطقة، التي لا تجد مجالا للتنفس حتى بين شوطين.