طرحت الحركة الإسلامية (الإخوان المسلمون وحزب جبهة العمل الاسلامي) قبل عدة أسابيع مبادرة سياسية للإصلاح ارادت من خلالها فتح حوار وطني حول الإصلاح السياسي في البلاد. ولم تتعد المبادرة عناوين عريضة لا أعتقد ان الكثير يعارضها مثل إقرار مبدأ الحكومات البرلمانية والتوافق على قانوني انتخاب واحزاب عصريين، والتمسك بثوابت الأمة من القضية الفلسطينية، وهكذا.
بالتأكيد، فإن أي مبادرة تدعو لتوافق وطني حول الإصلاح السياسي هي دعوة محمودة، ولو أنها بحاجة للخوض في تفاصيل كثيرة وعميقة. إلا أن الحوار الوطني المفقود اليوم لا يقتصر على الإصلاح السياسي، بل أزعم انه بدرجة أهمية هذا الإصلاح، فإن هناك حوارا وطنيا مطلوبا بين الجهات الدينية والمدنية سواء حول الأمور المجتمعية وماهية المجتمع الذي نريد.
في التفصيل، هل يقود هذا الحوار الوطني المطلوب لتوافق حول تعريف المواطنة؟ هل تعترف الحركة الإسلامية بمواطنة متساوية لكل الأردنيين والأردنيات لا تفرق بين المسلم والمسيحي أوالرجل والمرأة؟ هل يقبل الإسلام السياسي بالمساواة مع غيره؟ وهل تعترف كل الحركات المدنية ايضا بمواطنة متساوية لكل الأردنيين والأردنيات بغض النظر عن الأصل كما جاء في المادة السادسة من الدستور؟
هل يقود مثل هذا الحوار الوطني لتوافق حول مفهوم التعددية؟ هل تعترف الحركة الإسلامية بتعددية المجتمع وتطبق فعليا المبدأ الإلهي الوارد في القرآن الكريم أن لا إكراه في الدين دون تكفير للناس؟ أم انها تنوي تطبيق تفسيرها للدين على المجتمع بأكمله، مسلم أو مسيحي؟ هل يترك المفطر مثلا دون عقاب طالما أنه لا إكراه في الدين؟ وهل تؤمن الحركة بفرض الحجاب بالقوة مثلا كما هو الحال في إيران؟ وهل تعترف الحركات المدنية أيضا بتعددية المجتمع، أم انها تنكر حرية العمل السياسي على الأحزاب الإسلامية؟ وهل يعترف الاثنان بحق كليهما في التواجد المجتمعي وليس السياسي فقط دون تخوين أوتكفير؟
هل من الممكن الوصول إلى توافق وطني حول حقوق المرأة؟ هل تنظر الحركة الاسلامية للمرأة نظرة متساوية من النواحي التشريعية على الأقل؟ وهل تنظر كافة الحركات المدنية أيضا للمرأة نظرة تشريعية متساوية؟
هل الحركة الاسلامية السياسية اليوم دينية أم سياسية؟ هل تؤمن بالفصل الكامل بين الدعوي والسياسي؟ هل تهدف، كما قال المفكر السوري برهان غليون، “إلى بناء الدولة الدينية، أم تجديد أسس الدولة القطرية”؟ وإلى الجهتين، ما مدى الالتزام بالديمقراطية في كافة الأحوال؟ أم انه التزام انتقائي ما دام يخدم جهة من الحركتين؟
هل من الممكن الوصول لتوافق وطني جاد حول مفهوم مدنية الدولة، أم نصر على هذا اللغط من البعض من كلتا الحركتين حول هذا المفهوم؟ يفسر بعض غلاة المنتسبين للحركات الاسلامية خطأ أو عن قصد مدنية الدولة على انها دعوة للالحادية، بينما يتهم البعض الآخر هذه المدنية بأنها دعوة لتفكك المجتمع أو حتى للتوطين في تسطيح معيب. ويتناسى الاثنان اننا نعيش اليوم في دولة مدنية، وان لم تكتمل فيها عناصر الديمقراطية والتعددية الحقة.
نعم، نحن بحاجة لمثل هذا الحوار الوطني أيضا، لأن مثل هذه الأسئلة هي ما تحتاج لإجابات واضحة. لقد تجنبنا الخوض في مثل هذه المواضيع متذرعين بحساسية بالغة كان لها أثر مباشر في تقوقع المجتمع. توجد هذه الحوارات في كل المجتمعات الحية القادرة على النقد الذاتي والتجديد المستمر دون الوجل من مجرد النقاش. نحن بحاجة ماسة لتحرير العقل والنقاش الحر وطرح كافة هذه الآراء في العلن، ثم ترجمة توافقاتنا في الدستور والقوانين.
هل لدينا الشجاعة لذلك؟ بل السؤال المطروح: هل نستطيع تحقيق التقدم والازدهار دون ان نفعل ذلك؟