أخذ الإصلاح السياسي حصته الوافية خلال الشهور الماضية ومخرجات اللجنة الملكية للتحديث السياسي هي الآن قيد التنفيذ. فحق ان تخصص رسالة الملك في عيد ميلاده الستين محتواها بالكامل تقريبا للاقتصاد وهي فوق ذلك انتهت لتقديم مقترح محدد وواضح بتوجيه الديوان الملكي للبدء بتنظيم ورشة عمل وطنية تجمع ممثلين أصحاب الخبرة والتخصص في مختلف القطاعات وبالتعاون مع الحكومة لوضع رؤية شاملة وخارطة طريق محكمة للسنوات المقبلة. وقالت الرسالة أن العمل جار على وضع آلية تكفل المتابعة الحثيثة لتنفيذ هذه الرؤية وضمان استمراريتها لتكون عابرة للحكومات وستخضع هذه الآلية كما قال جلالة الملك لمتابعة شخصية منه وستكون المرتكز الأساسي لكتب تكليف الحكومات.
يعيد هذا الطرح التذكير بالأسلوب الذي تم اتباعه مع مشروع التحديث السياسي فقد استضاف الديوان الملكي نفسه أعمال لجنة التحديث السياسي وكانت الحكومة ممثلة من خلال وزير الشؤون السياسة وتعهد الملك بضمان مخرجات اللجنة عند الحكومة. وبالفعل تحقق كل شيء وفقا لهذا السيناريو بما اعطى مصداقية دحضت كل التوقعات التي استندت لتجارب سابقة لبث التشاؤم والجزم بان العملية كلها مشاغلة فارغة وستنتهي التوصيات على الرف.
ليس مستبعدا ان نجاح صيغة العمل المتعلقة بالتحديث السياسي ألهمت الصيغة المقترحة بشأن الاقتصاد ثم ان مدير المكتب الخاص لجلالة الملك د. جعفر حسان هو شخصية اقتصادية بامتياز وأصدر كتابا مهما عن «الاقتصاد السياسي الأردني» وليس ضروريا اغلاق الورشة على أسماء وعدد محدد سلفا بل يمكن استقطاب الفعاليات المهمة أولا بأول وفقا للإختصاص العملي والنظري والمحاور المطروحة. ومن المهم أن يعهد برئاسة الورشة لشخصية اقتصادية ذات فكر ابتكاري غير تقليدي والابتعاد تحديدا عن الشخصيات المالية ذات الفكر محاسبي.
وكان الملك في الواقع قد طلب من الحكومة وضع برنامج اقتصادي لكن الأمر كما يبدو اقتصر على ترتيب الأولويات الاقتصادية لتضمينها موازنة العام 2022 وبالتالي ما زال يتوجب وضع رؤية شاملة للاقتصاد الأردني الذي يعاني من تشوهات واختلالات فاقمت اثر الصعوبات التي خلقتها كورونا ومن قبلها اغلاقات الحدود مع الجيران وارتفاع كلف الطاقة وشح المياه وهو ما اوصلنا اليوم الى موقف لا يمكن التعامل معه بالقطعة وبمنطق إدارة الأزمة ويفترض ان تضل الورشة الوطنية الى خطّة تنفيذية جريئة بعيد المدى لخلق تحول شامل ولدينا في المثال المصري نموذجا وهي كانت قد خرجت من الربيع العربي في أسوأ حال ماليا واقتصاديا.
يمكن لمشروع النهوض السياسي أن يتلاقى مع مشروع النهوض الاقتصادي لصنع التغيير وتجسيد الشعار العتيد الذي تطرحه الاحتجاجات الشعبية وهو «تغيير النهج» ومن السطحية الاعتقاد أن التغيير مجرد قرار من فوق فالمخاطب بالتغيير هو الواقع القائم بكل مستوياته ويشمل كل فرد في المجتمع ولنفكر فقط في معدل إنتاجية الفرد الأردني فحسب الاحصائيات نحن بين أدنى 20 دولة في العالم من حيث إنتاجية ساعات العمل وهذا ما يجب ان تفكر فيه الورشة. وهذا يفتح أيضا على موضوع الإصلاح الإداري الذي يتكامل مع الاقتصادي والمفروض ان ثمة لجنة يرأسها رئيس الوزراء للإصلاح الإداري ستنهي عملها في حزيران القادم.