بينما تواصل اللجنة الملكية لتطوير المنظومة السياسية أعمالها بجدية وحيوية ونشاط، يدور نقاش وطني عريض حول قوانين الانتخاب، والأحزاب، والإدارة المحلية، وتمكين الشباب والمرأة، والجميع يدلون بآرائهم سواء في جلسات خاصة أو جلسات الحوار التي يعقدها معظم أعضاء اللجنة مع شرائح وقطاعات سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية وثقافية؛ من أجل توسيع دائرة المشورة، والاستفادة من الملاحظات والأفكار التي يتم التعبير عنها خلال تلك اللقاءات.
الآن وبعد مرور شهرين على تشكيل اللجنة الملكية أصبح النقاش أكثر عمقا، وأكثر قربا من المضمون، وأصبحت المداخلات تعكس اهتمام المشاركين في هذه الحوارات بأعمال اللجنة الملكية، وغالبا ما يذهب المتحدثون إلى نقاط محددة، عندما يتعلق الأمر بقانون الانتخاب تحديدا، فيما يأتي الحديث عن الأحزاب في الدرجة الثانية من الاهتمام، نتيجة اعتقاد سائد بأن تشكيل الأحزاب البرامجية القادرة على الوصول إلى البرلمان يحتاج إلى عقد أو عقدين من الزمان!
الأفكار المتداولة حول الأحزاب تدور في مساحة الشك بإمكانية استعداد المجتمع الأردني لتلك الممارسة السياسية التي يحمل عنها البعض ذكريات وانطباعات سلبية، ويرى فيها البعض الآخر تجربة تجاوزها المجتمع بعد فشل المدين القومي والأممي وتلاشيه، بينما الأحزاب الوطنية لم تتمكن بعد من سد الفراغ، ولكن هناك من ينظر بشكل موضوعي للعملية السياسية كونها منظومة متكاملة، تفضي إلى بعضها بعضا، لكي تتحقق الديمقراطية، وتتوسع قاعدة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار. ما من حوار يخلو من الحديث عن الإصلاح الاقتصادي، والإصلاح الإداري من حيث هو الأولوية الأولى التي لا بد أن تسبق الإصلاح السياسي أو تتزامن معه، من منطلق أن نشوء حالة من الارتياح المعيشي، وأخرى من الحوكمة الرشيدة في المؤسسات العامة والخاصة من شأنه أن يخلق بيئة سياسية مناسبة، تشجع الأغلبية على التفاعل مع العمل الحزبي، والانتخابات ترشحا وانتخابا.
وفي المقابل هناك من يرى أن تحديث المنظومة السياسية من شأنه توفير العناصر التي تفرض عمليات التخطيط ووضع البرامج الاقتصادية وغيرها فرضا، بل تجعلها شرطا من شروط الممارسة السياسية، وتلك عملية لا يمكن تحقيقها من دون الأحزاب البرامجية، ومنظمات المجتمع المدني، التي تكسب ثقة الجمهور كي يمثلها في مجلس النواب، وفي السلطة التنفيذية، عندما يصبح تشكيل الحكومات البرلمانية ممكنا.
هناك بعض المتشائمين الذين فقدوا الثقة في كل شيء، ليس لأسباب معينة، ولكن نتيجة تعمق حالة من اليأس هي حصيلة إخفاقات لا يمكن إنكارها، وهي كذلك انعكاس للحالة التي وصل إليها العالم العربي من حروب وأزمات وتفكك داخلي، يعزى إلى “المؤامرة “والصراعات الإقليمية، والمخططات الخارجية، وهكذا، إنه تشاؤم عام بالمطلق!
أما المتفائلون فهم أكثر إيمانا بقدرتنا الذاتية الوطنية على التغيير والتحديث، إنهم يعقدون المقارنة كذلك بيننا ونحن نخوض حوارا من أجل المستقبل، وبين دول كثيرة يخوض فيها الناس حوارات إما من أجل استعادة وحدة الدولة وشعبها وترابها الوطني، وإما من أجل جمع أشلاء ما مزقته الصدامات والخلافات بين مراكز القوى، وتقاطع مصالحها على حساب المصالح العليا، أي أنهم يبحثون اليوم عن مصيرهم، بينما نبحث نحن من أجل بناء مستقبلنا!