الخميس، 19-08-2021
01:33 ص
لا شيء يمر في هذه البلاد دون ضجيج، وها نحن الآن وسط معركة جديدة، من نوع مختلف، والقصة ما تزال في بدايتها، وقد نشهد تداعيات كثيرة حولها خلال الأيام القليلة المقبلة.
معركة أطرافها عديدة، وتتعلق بثلاثمائة كيلو متر مربع، في جنوب المملكة، تحت مظلة محمية ضانا الطبيعية، التي تمتد في الطفيلة عبر الجبال والوديان، والقصة بدأت عند تحرك الحكومة المستعجل، من اجل تعديل حدود المحمية، دعما لمحاولات التنقيب عن النحاس، برغم ان المحمية كانت محمية طوال عمرها، لكن لسبب ما، تذكر البعض أهمية التنقيب عن النحاس.
الحكومة تدعم عملية التنقيب، ووزير البيئة الحالي يؤكد أن وزارة الطاقة والثروة المعدنية تمتلك دراسات علمية تؤكد وجود مخزون وافر من النحاس ضمن حدود المحمية، ومع هؤلاء نقابة الجيولوجيين التي أيدت التنقيب عن النحاس، ثم مجلس محافظة الطفيلة الذي يؤيد التنقيب أيضا، ويقول إن التنقيب عن النحاس فتح باب الامل في ايجاد استثمارات بقطاع التعدين، الذي من شأنه تحريك العجلة الاقتصادية، وتحقيق النمو وزيادة فرص التشغيل.
بالمقابل تتبدى غضبة وزير البيئة السابق د. خالد الإيراني رئيس مجلس إدارة الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، الذي اعتبر أن الخطوة سوف تتسبب بضرر شديد على البيئة في تلك المنطقة، وسوف تؤذي المحمية ذاتها، وتدمرها، بما يقول امام هذا المشهد المعقد، اننا وسط صراعات قوى، وإرادات في هذه القصة، خصوصا، ان كل طرف يتسلح بروايته، وأدلته، ورؤيته هنا.
لا تعرف كيف تصطف في هذه المعركة، فأنت مع حماية الطبيعة، وفي الوقت ذاته تريد دعم بلادك بموارد جديدة، عبر التعدين، وعليك ان تسأل هنا، عن كلفة أي قرار، وهذا يعني ان علينا ان نستبصر أولا، جدوى قرار الحكومة، ومن سيتحمل كلفة تعديل حدود المحمية، اذا ثبت عدم وجود النحاس بكميات تجارية، لاحقا، ومن هي الجهات التي ستتولى التنقيب، ولماذا لا تأخذ الحكومة بتصورات الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، بدلا من التصرف بشكل سياسي وسيادي، باعتبار ان الحكومة هي صاحبة القرار أولا وأخيرا في هكذا ملفات، وأن آراء الآخرين، شكلية، وتأتي من باب الاستئناس والرأي والرأي الآخر، على طريقة الاتجاه المعاكس والبرامج الحوارية.
من جهة ثانية لا بد أن نعترف أن لا استثمار في الأردن، يمر بهدوء، فقد يكون في المشروع مصلحة للأردن، وهنا فإن التصعيد المبالغ به، قد يضر الاستثمارات، ويجعل هذه البلاد منفرة استثماريا.
هذه قصة يجب ان تخرج الحكومة لتقدم روايتها بشكل دقيق جدا، بدلا من تركها للتراشق بين جهات عدة، لأننا نعيش جوا يشابه الجو الذي عشناه قبل سنوات، عندما حاول القطاع الخاص، تنفيذ مشروع مهم في عجلون، فأثيرت الدنيا بذريعة الخوف من قطع الأشجار، في الوقت الذي كان فيه الحطابون يحرقون ويقطعون سنويا، آلاف الأشجار دون ان يعرفهم احد.
أحد أسباب التراشق بين الحكومة ممثلة بوزارة الطاقة، والبيئة، مع الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، ما يقوله الرسميون حول وجود موافقات سابقة من قبل الجمعية بتعديل حدود المحمية، على أن يتم منحهم قطعة أرض بدلا عن تلك التي ستستخدم لغايات التنقيب، وهو الأمر الذي نفته الجمعية أكثر من مرة، متمسكة باعتباراتها، حول ضرورة إثبات وجود النحاس أولا بشكل تجاري، وثانيها تحديد مواقع معينة للتأكد من وجود النحاس، قد لا تكون ذات المناطق التي تستهدفها الحكومة، وثالثها المخاوف من كل الأثر البيئي السيئ على مجمل المحمية.
هذه معركة جديدة نخوضها، تكاد تقول ان المحمية غير محمية، وما بين هذا وذاك، لا بد من أن تخرج الحكومة ببيان رسمي تفصيلي، وان تصل الى حل وسط مع كل الشركاء في هذا الملف، حتى لا تؤرشف كل هذه التفاصيل، وتصير لاحقا، وبعد سنوات، ادلة في مواجهة أكبر في بلادنا العزيزة.
كونوا جميعا على حذر، فالقصة خرجت الى العلن، وباتت قضية رأي عام في الأردن، وافتحوا عيونكم جيدا، ولترتجف ايديكم قبل أي توقيع، لأننا امام ملف تحت عيون من يرحم، ومن لا يرحم.